المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

184

الخارج عن محلّ الابتلاء، وهو الحكم الماضي الداخل في محلّ الابتلاء، وهو الحكم الفعلي، ولذا لو تعلّق ابتداءً علم إجمالي بحكم مردد بين ما مضى وقته وسقط، وما يكون ثابتاً بالفعل، لم يكن منجِّزاً.

وبالجمع بين هاتين المقدّمتين يظهر أنّ العلم الإجماليّ فيما نحن فيه غير قابل لتنجيز المتأخّر، إذ هل ينجّزه بوجوده الحدوثيّ أو بوجوده البقائيّ؟ أمـّا الأوّل فهو خلف المقدّمة الاُولى من أنّ العلم لا ينجّز شيئاً متأخّراً عنه بوجوده الحدوثيّ، وإنـّما ينجّزه بلحاظ بقائه إلى ذلك الوقت، وأمـّا الثاني فهو خلف المقدّمة الثانية من أنّ العلم الإجمالي فيما نحن فيه يكون بوجوده البقائيّ حاله حال العلم الإجماليّ الذي تعلّق ابتداءً بالمردّد بين الماضي والحاضر، وهو غير منجِّز. وإذا لم يكن العلم الإجماليّ قابلاً لتنجيز الطرف المتأخّر، فهو غير قابل للتنجيز أصلاً (1) .

والجواب: أنّ المقدّمة الاُولى وإن كانت صحيحة إلّا أنّ المقدّمة الثانية غير صحيحة، فإنّ قياس العلم الإجماليّ بوجوده البقائيّ ـ فيما نحن فيه ـ بالعلم الإجماليّ الحدوثيّ المردّد بين الماضي والحاضر قياس مع الفارق، وتوضيحه: أنّ التحميل الذي ينشأ من قِبَل العلم على المكلّف يستحيل أنْ يتقدّم على نفس المحمّل، وهو العلم، والعلم الإجماليّ الحدوثيّ لو تردّد بين الماضي والحاضر، وحمّل على المكلّف العمل بالحكم الأوّل قبل حدوثه، لزم منه تقدّم التحميل على المحمّل الذي هو العلم . وأمـّا فيما نحن فيه فالعلم ثابت في كلا الحالين، وعاصَرالحكم الأوّل، والحكم الثاني، فينجّز الحكم الأوّل؛ لكونه معاصراً له وعدم لزوم تقدّم التحميل على المحمّل، وينجّز الحكم الثاني أيضاً؛ لكونه معاصراً له.

هذا والجواب بهذا اللّسان إنـّما يناسب مذهب الأصحاب من كون المحذور عقليّاً، ولا يناسب مسلكنا، وإن شئت تعميم الجواب قلت: إنـّه في العلم الإجماليّ الحدوثيّ المردّد بين الماضي والحاضر لا معارض للأصل النافي، لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على الحاضر، لعدم جريان أصل ناف لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على الماضي، لا بلحاظ زمان الماضي؛ لعدم معلوم بالإجمال فيه، ولا بلحاظ هذا الزمان؛ لمضيّ ذلك وخروجه عن محلّ الابتلاء. وأمـّا فيما نحن فيه


(1) مضى منّا في بحث الانحلال الحكمي في الردّ على إثبات الاحتياط بالعلم الإجماليّ شرح لعدم قابليّة الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله للتنجيز.