المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

183

ليس فعليّاً الآن، فلا يقبل حكم العقل بالتنجيز، فنقول: إنـّنا لا نفهم من هذا الكلام معنىً متحصّلاً، وإنـّما نتفوّه به كألفاظ، فإنّ حكم العقل بالتنجّز ليس واقعاً عبارة عن الحكم والإلزام، حتى يقال: إنّ هذا حكم وإلزام موضوعه حكم الشارع وإلزامه، ولا يتقدّم عليه، كما يقال في المقدّمة ـ بناءً على وجوبها شرعاً ـ: إنّ وجوب المقدّمة لا يتحقّق قبل ذيها، ولا يترشّح من وجوب ذي المقدّمة قبل وجوبه، وإنـّما المقصود بحكم العقل بالتنجّز هو إدراكه لقبح هذه المخالفة؛ لكونها مخالفة لما هو داخل في حقّ المولى ودائرة مولويته، ومن المعلوم أنّ قبح القبيح ثابت أزلياً، وإنـّما الشيء الذي يتأخّر هو نفس الإتيان بالقبيح، فلا معنى للقول: بأنّ هذا الحكم حيث إنـّه ليس بفعليٍّ، فلا يقبل التنجّز الآن، بل نقول: إنـّه يقبل التنجّز الآن، بمعنى أنـّه تقبح مخالفته بحكم العقل، ويكون قبحها ثابتاً بالفعل، وإنْ كانت قدرة العبد على الإتيان بهذا القبيح متأخّرة زماناً، وغير ثابتة الآن، وبالجملة: كما أنّ المعلوم بالعلم الإجماليّ في غير التدريجيّ يدخل في دائرة حقّ المولى، كذلك المعلوم بالعلم الإجماليّ في التدريجيّ يدخل في تلك الدائرة، وليس في ذلك محذورٌ أصلاً؛ إذ دخوله فيها عبارة عن قبح المخالفة، وقبح المخالفة ثابت بالفعل على كلّ حال.

هذا، ويمكن إثبات عدم منجِّزيّة العلم الإجماليّ في التدريجيّات ببيان آخر غير البيان الذي ذكرناه وأبطلناه، وذلك بأنْ يقال: إنّ العلم الإجماليّ في التدريجيّات ليست له قابليّة التنجيز للطرف المتأخّر، كما يظهر ذلك بمقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أنّ العلم الإجمالي لا ينجِّز حكماً متأخّراً عن زمان تعلّق العلم به بوجوده الحدوثيّ، وإنـّما ينجّزه بوجوده البقائيّ ولذا لو تبدّل العلم في زمان ذلك الحكم إلى الشكّ الساري، لا يكون ذلك الحكم منجّزاً.

المقدّمة الثانية: إنّ العلم الإجماليّ بوجوده البقائيّ فيما نحن فيه غير قابل لتنجيز الحكم المتأخّر؛ لأنـّه في زمان الحكم المتأخّر يكون متعلّقاً بما يتردّد بين


الزمان المستقبل، وكذلك الحال لو بدّلنا لغة التنجيز بلغة ارتكاز التضادّ بين الترخيص الشامل لكلّ الأطراف والغرض الإلزامي المعلوم بالإجمال، فإنّ هذا الارتكاز أيضاً مشروط بمعاصرة العلم للتكليف على كلّ تقدير، والعلم الإجماليّ بتكليف حاليّ، أو مستقبليّ معاصر للتكليف على كلّ تقدير؛ لأنـّه سيبقى إلى الزمان المستقبل، أمـّا العلم الإجمالي بتكليف ماض أو تكليف فعلي، فهو غير معاصر للتكليف الماضي حسب الفرض.