المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

181

على ما في التقريرات ـ، ودعت المحقّق العراقيّ (1) إلى إبراز علم إجماليّ آخر منتزع عن هذا العلم الإجمالي يكون بين حكمين فعليّين، فينسب التنجيز إلى هذا العلم الإجمالي الثاني. وذلك ببيان أنّ العلم الإجمالي بأحد الحكمين الآن أو مستقبلاً وإنْ لم يكن علماً بالحكم الفعليّ على كلّ تقدير، ولكن يتولّد من ذلك علم اجمالي بأنـّه إمـّا يجب عليه الحكم الأوّل الفعليّ، أو يجب عليه بالفعل حفظ القدرة للواجب الثاني؛ لأنـّه قد ثبت بوجه من الوجوه وجوب حفظ القدرة للواجبات الاستقباليّة، وبه يتغلّب على مشكلة المقدّمات المفوّتة، وهذا العلم الإجمالي يكون علماً بين حكمين فعليّين، ويكون منجّزاً.

أقول: يردُ على ذلك: أوّلاً ـ أنّ وجوب المقدّمات المفوّتة حكم عقليّ كما يعترف هو (قدس سره) بذلك، وذلك من باب حكم العقل بالتنجيز، فلا يجب حفظ القدرة للواجب الاستقباليّ إذا لم يكن منجّزاً، كما إذا لم يكن طرفاً للعلم الإجماليّ، بل كان مشكوكاً بالشك البدويّ، فوجوب حفظ القدرة في المقام فرع تنجّز هذا الحكم بالعلم الإجماليّ الأوّل، فإن لم يكن منجِّزاً لم يتولّد العلم الثاني، وإن كان منجِّزاً فلا حاجة إلى دسّ مسألة حفظ القدرة (2) في المقام، فملاك ما هو المركوز في ذهنه (قدس سره)ليس هو ذلك.


(1) راجع القسم الثاني من الجزء الثالث من نهاية الأفكار، ص 325.

وذكر (رحمه الله) هناك ـ أيضاً ـ وجهاً آخر لحلّ إشكال عدم تعلّق العلم الإجمالي بتكليف فعليّ على كلّ تقدير، وهو أنّ الأحكام في رأيه (قدس سره) كما هي في رأي اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) فعليّة منذ البدء، وإنـّما الذي يتأخّر إلى حين مجيء الشروط هو فاعليّتها، إذن فالعلم الإجمالي في المقام علم إجمالي بتكليف فعليّ على كلّ تقدير.

أقول: إنّ هذا الوجه غيرصحيح، فإنـّنا لو أردنا أن نتكلّم بهذه اللغة، قلنا: إنّ العلم الإجماليّ إنـّما يكون مؤثّراً إذا كان علماً بتكليف فاعل على كلّ تقدير، أمّا إذا كان علماً بتكليف فعليّ مردّد بين أن يكون فاعلاً بالنسبة لي أو غير فاعل بالنسبة لي إلى الأبد؛ لعدم تحقّق موضوعه فيّ، فأيّ قيمة لهذا العلم الإجمالي؟ إذن فالمهمّ في الجواب توضيح أنـّه تكفي فعليّة الحكم أو فاعليته (على اختلاف لغات المدارس الاُصولية) في وقته، وإن كان مستقبلاً.

(2) ويمكن الإيراد ـ أيضاً ـ على المحقّق العراقيّ (رحمه الله) بأنّ العلم الإجمالي المردّد بين حكم العقل وحكم الشرع لا يقبل التنجيز؛ لأنّ حكم العقل المحتمل بنفسه لا مؤمّن له، فاحتمال التنجيز منجّز، ويبقى الطرف الآخر، وهو الحكم الشرعي مشكوكاً بالشكّ البدويّ، ومجرىً لقاعدة (قبح العقاب بلا بيان).