المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

179

ننقّحه ـ إن شاء الله ـ في بحث تعارض الأمارات والاُصول في آخر الاستصحاب، وهو أنّ تقدّم الأمارات على الاُصول يكون من باب كون دليل حجّيّة الأمارة أخصّ، أو ما بحكم الأخصّ بالنسبة لدليل الأصل، فعلى هذا المبنى نقول فيما نحن فيه: إنّ إطلاق دليل حجّيّة البيّنة مقدّم على إطلاق دليل الأصل تقدُّم إطلاق الأخص، أو ما بحكم الأخص على إطلاق الاعمّ، فيقع التعارض لا محالة بين الأصلين؛ إذ تقدّمت البيّنة على مجموعهما، فلابدّ من سقوط واحد منهما، ولا مرجح لأحدهما على الآخر.

وقد يمكن الجواب عن الإشكال بناءً على مباني القوم أيضاً، بأنْ يقال: إنّ مجموع الأصلين مقيّد عقلاً أو عقلائيّاً بعدم العلم بالحكم، وقد علمنا بالحكم ببركة البيّنة، فهذا حاكم على مجموع الأصلين، فيقع التعارض ـ عندئذ ـ بين الأصلين.

إلّا أنّ هذا الجواب حسب مباني القوم لا يتمّ؛ إذ لو كان المراد بالعلم بالحكم العلم الوجدانيّ بالحكم الظاهريّ، فالأصلان ليسا نافيين لهذا الحكم الظاهريّ، حتى تكون نسبتهما إلى هذا العلم نسبة الاُصول النافية للواقع إلى العلم الإجماليّ بالواقع، بل هما في عرض هذا الحكم الظاهريّ، فيقع التعارض بين الجميع، ولو كان المراد بذلك العلم التعبّديّ بالحكم الواقعيّ، فيدّعى أنّ المجعول في دليل حجّيّة البيّنة هو العلم، فيكون حاكماً على مجموع الأصلين على حدّ حكومة البيّنة القائمة على مورد خاصّ على الأصل في مورده، ورد عليه: أنّ الأصل في مورد البيّنة القائمة على مورد خاصّ مقيدٌ في نفس لسان دليله بعدم العلم، فيقال بحكومة دليل البيّنة عليه. وأمـّا فيما نحن فيه فليس مجموع الأصلين في نفس لسان الدليل مقيّداً بعدم العلم بالخلاف، وإنـّما يكون مقيّداً بذلك بالارتكاز العقليّ أو العقلائيّ، وهم يفصّلون في الحكومة بين كون قيد عدم العلم لفظيّاً في لسان الدليل أو لبّيّاً، فيقولون بأنّ الحكومة تثبت في الأوّل دون الثاني، وبهذا دفعوا شبهة أنـّه لماذا تكون الأمارة حاكمة على الاستصحاب دون العكس، مع أنّ حجّيّة الأمارة أيضاً مقيّدة بعدم العلم بالخلاف، حيث يقال في مقام الجواب عن ذلك: إنّ الاستصحاب كان مقيداً بعدم اليقين في نفس لسان دليله، لكنّ حجّيّة الأمارة ليست مقيدة في نفس لسان دليلها، وإنـّما هي مقيدة بذلك لبّاً.