المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

178

وإطلاق دليل الأصل، وهذه المشكلة أثارها في المقام المحقّق العراقيّ (قدس سره) (1) .

وأجاب (رحمه الله) عنها بأنـّه يوجد لدينا في المقام سنخان من الشكّ والاحتمال:

(الأوّل) أنـّه في كلّ واحد من الإناءين نحتمل طهارته مطلقاً، أي: حتى على تقدير طهارة الآخر، وإجراء أصالة الطهارة بهذا اللحاظ؛ ليثبت طهارة هذا الإناء، ولو على تقدير طهارة الآخر، محكوم للبيّنة الدالّة على أنـّه ليس هذا الإناء طاهراً على كلّ تقدير، أي: حتى على تقدير طهارة الآخر على حدّ محكوميّة أصالة الطهارة في مورد للبيّنة الدالّة على النجاسة في نفس ذلك المورد تفصيلاً.

(الثاني) احتمال الطهارة في كلّ واحد من الإناءين بدلاً عن الآخر، وعلى غير تقدير طهارة الآخر، وقد كان الثابت عندنا بقطع النظر عن البيّنة الاحتمال الأوّل، أعني: احتمال الطهارة على كلّ تقدير، وإنـّما تبدّل هذا الاحتمال بالاحتمال الثاني بواسطة حكم البيّنة ببطلان الاحتمال الأوّل، وإثباته ظاهراً؛ لعدم ثبوت الطهارة على كلّ تقدير، وإذا أردنا إجراء أصالة الطهارة بلحاظ هذا الاحتمال، فالأصلان في الطرفين يتعارضان ويتساقطان، ويكون إطلاق دليل حجّيّة البيّنة في منجى عن دائرة المعارضة؛ لأنّ موضوع الأصل الذي هو هذا الاحتمال الثاني قد تولّد في طول حجّيّة البيّنة، فلا يعقل تعارض الأصلين مع حجّيّة البيّنة.

أقول: إنّ هذا الكلام غير صحيح، فإنـّه لم يتبدّل بحجّيّة البيّنة احتمال إلى احتمال آخر، وإنـّما واقع المطلب هو أنـّه كان لنا احتمالان: أحدهما: احتمال طهارة هذا الإناء بالفعل، وكذلك احتمال طهارة ذاك الإناء بالفعل. والآخر: احتمال طهارة هذا الإناء على تقدير طهارة ذاك الإناء، وكذلك العكس، ولنفرض أنّ هذا الاحتمال الثاني تبدّل إلى العلم بنجاسة هذا الإناء على تقدير طهارة ذاك الإناء وبالعكس، لكنّ الاحتمال الأوّل باق على حاله، ويجري الأصل بلحاظه في عرض حجّيّة البيّنة، فيتعارضان، فرجع الإشكال على حاله.

والتحقيق في المقام: أنّ هذا الإشكال ـ أيضاً ـ إنـّما يتأتّى بناءً على مباني الأصحاب، حيث يقولون بتقديم البيّنة والأمارات على الأصل بالحكومة أو الورود، فيقال عندئذ: إنـّه لا حكومة فيما نحن فيه ولا ورود؛ لانحفاظ موضوع الأصل في كل واحد من الطرفين بخصوصه، ولا مورد لهذا الإشكال بناءً على مبنانا الذي سوف


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 326 ـ 328.