المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

16

باب السالبة بانتفاء الموضوع، بأن لا يكون في المقام تكليف أصلاً(1)، والآخر: احتمال عدم العقاب، من باب السالبة بانتفاء المحمول، بمثل العفو والشفاعة. وأمـّا مع القطع بالتكليف فلا يوجد إلاّ احتمال عدم العقاب من باب السالبة بانتفاء المحمول، وإذا كان الموجب للتنجّز هو احتمال العقاب الثابت بمجرّد احتمال التكليف، فلا حاجة في مورد العلم الإجماليّ إلى البحث عن أنّ العلم الإجماليّ ما هو تأثيره في مقام التنجيز؟ فإنّ المقتضي للتنجيز موجود قطعاً، وإنـّما يجب البحث عن وجود المانع عن التنجيز في المقام وهو القواعد المؤمّنة.

إلاّ أنّ هذا الكلام لا يناسب السيّد الاُستاذ، ويرد عليه:

أوّلاً: أنّ احتمال العقاب ليس هو المنشأ للتنجّز، وإنـّما هو متأخّر رتبة عن التنجّز، ولولا تنجّز التكليف علينا لما كان وجه للعقاب؛ إذ هو عقاب بلا حقّ، وإنـّما نستحقّ العقاب بمخالفة التكليف المنجّز، وما ذكره خلط بين التنجّز الأخلاقيّ والتنجّز الجبلّيّ، فإنـّنا إنـّما نتكلّم في التنجّز الأخلاقيّ، وهو التنجّز الذي يحكم به العقل العمليّ، وهو منشأ للعقاب، وليس نتيجة لاحتمال العقاب.

وأمـّا التنجّز الجبلّيّ فهو ليس ضرورة خلقيّة، بل ضرورة جبلّيّة ناشئة من احتمال العقاب ولو من قبل ظالم جائر، فلو أوعدنا الظالم بالعقاب على ترك عمل فنحن نضطرّ إلى الاتيان به بجبلّتنا، وحبّنا لأنفسنا وفرارنا عن الأذى بطبيعتنا الذاتيّة، وليس الكلام في هذا التنجّز.

ثمّ النسبة بين احتمال العقاب والتنجّز عموم من وجه، فيمكن فرض التنجّز من دون احتمال العقاب، كما لو قطع العبد بأنـّه لو عصى لتعقّبت معصيته بالتوبة أو الشفاعة أو العفو؛ فإنـّه مع هذا لا تجوز له عقلاً المعصية، ويكون التكليف منجّزاً عليه. ويمكن فرض احتمال العقاب من دون التنجّز، كما لو شكّ العبد في صحّة قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، وفرضنا أنـّها في الواقع صحيحة، فخالف تكليفاً مشكوكاً لم يتمّ عليه البيان، فهو يحتمل العقاب؛ لأنـّه يحتمل بطلان القاعدة، لكنّ التنجّز في الواقع غير ثابت؛ لفرض صحّة القاعدة بحسب الواقع.

وثانياً: أنّ ما ذكره ـ من احتمال عدم العقاب عند الشكّ من باب احتمال


(1) هذا هو مصبّ ما يأتي من الإشكال الثاني من إشكالات اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) على السيّد الخوئيّ (رحمه الله)، إلاّ أنّ هذا إنـّما هو موجود في الدراسات، وليس موجوداً في المصباح.