المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

151

ويشترط في الانحلال الحكمي عدم تأخّر العلم التفصيلي عن العلم الإجماليّ، زائداً على عدم تأخّر المعلوم التفصيلي عن المعلوم الإجماليّ على ما مضى بحثه هناك.

وأمـّا الانحلال بالحجّة شرعاً أو عقلاً فلا مورد للانحلال الحقيقي بذلك؛ إذ لم يحصل علم بالحكم في أحد الطرفين معيّناً، فالعلم بالحكم في أحدهما إجمالاً باق على حاله لا محالة، وقد وقعت المحاولة لإثبات الانحلال الحقيقي تعبداً إذا كانت الحجّة شرعية، ومجعولة بعنوان جعل الطريقيّة والعلم، وقد ذكرناها مع مناقشتها ـ أيضاً ـ في ذلك المبحث، فلا نعيد.

وأمّا الانحلال الحكمي، فتارة تكون تلك الحجّة التي يتكلّم في انحلال العلم الإجماليّ بها حكماً عبارة عن أصالة الاشتغال الناشئة عن علم إجمالي آخر، كما لو علم إجمالاً بنجاسة الإناء الأبيض أو الأسود، ثم علم إجمالاً بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر، فقد يقال بانحلال الثاني لتنجيز أحد طرفيه بالعلم الأوّل، واُخرى تكون تلك الحجّة غير ذلك: أمـّا الأوّل فهو ما سوف نعقد له -إن شاء الله- تنبيهاً مستقلاً في العلاقات بين العلوم الإجمالية لوجود نكات تخصّ ذلك. وأمـّا الثاني فإن كانت تلك الحجّة ممّا يثبت لوازمه، بأن كانت أمارة، وكان من لازمها عدم التكليف في الطرف الآخر، كما لو علمنا بانحصار التكليف في واحد، أو كانت الأمارة بصدد تعيين المعلوم بالإجمال، كما لو علمنا بنجاسة إناء زيد، ودلّت الأمارة على أنّ إناء زيد هو هذا، فننفي بلازمها ثبوت التكليف المعلوم بالإجمال في الطرف الآخر، فالعلم الإجماليّ ينحلّ بنفس هذه الحجّة؛ لنفيها للتكليف في الطرف الآخر.

وأمـّا إنْ لم يكن الأمر كذلك، فينحلّ العلم الإجماليّ بالنظر إلى الاُصول الشرعية، على تحقيق وتفصيل مضى في التنبيه الثاني.

وأمـّا بالنظر إلى قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، فلا يحصل انحلال كامل، وتوضيحه: أنـّه لو اجتنب الإناء الذي أصبح مورداً للحجّة المثبتة العقلية، أو الشرعية، وشرب الإناء الآخر، فليس عليه شيء؛ إذ قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) لا معارض لها، والعلم الإجماليّ لم ينجّز أكثر من الجامع، والزائد على الواحد داخل تحت التأمين، لكن إذا شرب كلا الإنائين فهو أشّد حالاً من أن يشرب فقط الإناء الذي هو مورد للحجّة المثبتة؛ وذلك لأنّ منجّزيّة العلم أشدّ من منجّزيّة الحجّة غير العلم، ومخالفة العلم أقبح من مخالفة الحجّة، فالعلم الإجماليّ وإن كان تنحلّ هنا درجةٌ من