المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

149

ونكتة ذلك: أنـّه في سائر الموارد إذا عارض دليل دليلين، فتقديم الأوّل منهما عليه بحجّة أنّ هذا ليس ترجيحاً بلا مرجّح؛ لأنّ ذاك ساقط على أيّ حال بمعارض آخر، بخلاف الدليل الأوّل من الدليلين يرد عليه: أنّ هذا يؤدّي إلى الترجيح بلا مرجح فيما بين الدليلين اللذين عارضاه؛ لأنّ تقديم الأوّل عليه ليس بأولى من تقديم الثاني عليه. إذن فلكي لا نصطدم بمشكلة الترجيح بلا مرجح فيما بين هذين الدليلين يجب أن نقدّمهما معاً على ذاك الدليل، ولكنّنا عندئذ نصطدم بمشكلة الترجيح بلا مرجّح من زاوية أنّ تقديمهما معاً على ذاك الدليل ليس بأولى من تقديم الدليل عليهما معاً، وهذا معنى أنّ دليلاً واحداً قد عارض في المقام مجموع دليلين .

وأمـّا فيما نحن فيه، فهنا وإن عارض شيء شيئين، لكن المعارض لشيئين هنا متعدّد بتعدّد الأطراف، ولا يمكن تقديمه في جميع الأطراف.

ولأجل التوضيح نفترض طرفين، فالأصل في فرض القطع في الطرف الأوّل يعارض شيئين وهما: الأصل في الطرف الثاني في فرض القطع، والأصل فيه في فرض الشكّ، والأصل في فرض القطع في الطرف الثاني ـ أيضاً ـ يعارض شيئين، وهما : الأصل في الطرف الأوّل في فرض القطع، والأصل فيه في فرض الشكّ، وتقديم الأصل ـ في فرض الشكّ ـ في الطرف الأوّل مثلاً على الأصل ـ في فرض القطع ـ في الطرف الثاني بحجّة سقوطه بمعارض آخر، ليس مبتلى بمشكلة الترجيح بلا مرجّح فيما بينه وبين الأصل ـ في فرض القطع ـ في الطرف الأوّل؛ لأنّ حفظ الأصل في الطرف الأوّل ـ على تقدير القطع ـ عن السقوط مبتلى بمشكلة تخصّه، أي مشكلة لا توجد في حفظ الأصل فيه على تقدير الشكّ، وتلك هي أنّ حفظ الأصل في الطرف الأوّل ـ على تقدير القطع ـ عن السقوط لايعني تقديمه على الأصل في الطرف الثاني ـ على تقدير القطع ـ فحسب، بل يعني إضافة إلى ذلك تقديمه على الأصل في الطرف الثاني، على تقدير الشكّ، في حين أنّ تقديمه عليه ليس بأولى من تقديم الأصل في الطرف الثاني ـ على تقدير القطع ـ على الأصل في الطرف الأوّل، ـ على تقدير الشكّ ـ ، وهذا يعني مشكلة الترجيح بلا مرجّح فيما بين الأصلين في الطرفين على تقديري القطع، وهذه المشكلة غير موجودة في الأصل في كلّ من الطرفين على تقدير الشكّ؛ لأنّ بالإمكان تقديم كلا الأصلين على تقديري الشكّ كلّ على ما يعارضه، فلا يلزم بينهما الترجيح بلا مرجح، وتمام النكتة في ذلك: أنّ الأصلين على تقديري الشكّ ليسا متعارضين، في حين أنّ الأصلين على تقديري القطع متعارضان.