المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

148

المحصورة ما ظاهره: أنّ المخالفة القطعيّة غير مقدورة، فهي غير قبيحة.

ونحن وإن وجّهنا كلامه بأنـّه لعلّ المقصود أنّ المخالفة القطعيّة غير مقدورة، فهي غير مرخّص فيها، فلا يلزم الترخيص في القبيح، لكن الآن نفرض أنّ مقصوده هو ظاهر عبارته، وعندئذ نقول: إنـّه مع الشكّ في القدرة ليست المخالفة القطعيّة قبيحة، لأنّ الحسن والقبح العقليين دائماً يكونان مختصّين بفرض وصول الموضوع وصولاً قطعيّاً، والموضوع هنا -وهو القدرة- غير واصل وصولاً قطعيّاً. نعم، قد يحكم العقل العملي عند الوصول الاحتمالي بحسن آخر أو قبح آخر بملاك الاحتياط(1)، فإن قيل بذلك هنا، فهذا مرجعه إلى كلام المحقق العراقي (قدّس سرّه) من لزوم الاحتياط عند الشكّ في القدرة، وقد عرفت الكلام فيه مُفصّلاً.

الوجه الثاني: أن يقال: إنّ المحذور من جريان الاُصول إنـّما هو لزوم الترخيص في المخالفة القطعيّة، وهذا المحذور غير موجود عند الشكّ في القدرة في المخالفة القطعيّة؛ إذ هذا الشكّ لا يبقى إلى آخر ارتكابه لتمام الأطراف، فلو أجرى الأصل في الأطراف، و اشتغل بارتكابها، فإمـّا أن يظهر له أخيراً عدم القدرة على المخالفة القطعيّة، وعندئذ لم تلزم المخالفة القطعيّة، أو تظهر له أخيراً القدرة على ذلك، وبمجرّد أن يظهر له ذلك يقع التعارض بين الاُصول في الأطراف والتساقط، ولا يجوز له شرب الباقي، فلم تلزم المخالفة القطعيّة أيضاً،

وبكلمة اُخرى نقول: إنـّنانقيّد الأصل في كلّ طرف بفرض الشكّ في إمكان المخالفة القطعيّة، ومع هذا القيد لا تلزم المخالفة القطعيّة؛ إذ لا تتحقّق المخالفة القطعيّة إلاّ بعد زوال الشكّ في إمكانها.

ولا يتعارض إجراء الأصل في كلّ طرف بقيد الشكّ مع الأصل في الطرف الآخر عند عدم الشكّ، وحصول القطع بإمكان المخالفة القطعيّة؛ لأنّ الاُصول في فرض القطع في أنفسها متعارضة ومتساقطة.

لا يقال: إنّ الأصل في كلّ طرف في فرض القطع معارض لشيئين: أحدهما: الأصل في الطرف الآخر مع الشكّ، والآخر: الأصل فيه مع القطع، فهذا حاله حال كلّ دليل يعارض دليلين.

فإنـّه يقال: إنّ مثل ما نحن فيه لا يقع فيه التعارض والتساقط بين الجميع لا فنّاً ولا عرفاً، بخلاف ما لا يكون من قبيل ما نحن فيه.


(1) أو بتوسيع القبح.