المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

137

العلم الإجماليّ قد يبلغ من كثرة الأطراف إلى مرتبة يحصل في كلّ طرف من الأطراف الاطمئنان بعدم انطباق المعلوم بالإجمال عليه؛ لأنّ رقم اليقين إذا كانت نسبة العلم إلى جميع الأطراف على حدّ سواء، ينقسم لا محالة على عدد الأطراف بالسوية، فتكون القيمة الاحتمالية لكل طرف كسراً ضئيلاً، وكلّما كثرت الأطراف تضاءلت القيمة الاحتمالية في كلّ طرف، فيرجّح احتمال العدم فيه، إلى أن يصل الأمر إلى درجة الاطمئنان، ومقصودنا بالاطمئنان هنا درجة خاصّة من الظن القويّ التي يراها العقلاء حجّة، وتثبت حجّيّته شرعاً بعدم الردع ـ ولو لم تكن واصلة إلى درجة قد تكون معها حجّة ذاتاً، بمعنى أنّ مولوية المولى قاصرة عن لزوم امتثال حكمه المطمأن بخلافه بتلك الدرجة ـ ما لم يردعنا هو عن العمل بهذا الاطمئنان.

وأمـّا ما أورده المحقق النائيني (رحمه الله)(1) والسيّد الاُستاذ(2) على الشيخ الأعظم في دعواه لحجّيّة الاطمئنان(3) - من أنّ الاطمئنان إنـّما يتّبع في مثل الأغراض الدنيوية، وأمـّا إذا كان المحتمل بدرجة من الأهمّيّة كعقاب الآخرة، فلا معنى لحجّيّة الاطمئنان في قباله، بل لا بدّ من الاحتياط في قبال احتمال العقاب بالغاً ما بلغ من الضآلة، وضآلة الاحتمال هنا لا تبرّر الاقتحام- فهوغير وارد علينا، سواء قصد الشيخ الأنصاري (رحمه الله) معنىً يرد عليه هذا الاعتراض أو لا، فإنـّنا لا نقصد التمسّك بالاطمئنان بعدم العقاب، سواء كان مقصود الشيخ (قدّس سرّه) هذا، أو لم يكن، وإنـّما نقصد أنّ الاطمئنان بعدم الحكم معذّر عن الحكم المحتمل، ومعه لا يحتمل العقاب أصلاً، ولو بأيً مستوىً ضعيف(4).

والكلام في تنقيح هذا الوجه من الانحلال يتمّ بالكلام تارةً في موضوع القضية، وهو حصول الاطمئنان، واُخرى في محمولها، وهو حجية هذا الاطمئنان.

أمـّا موضوعها وهو الاطمئنان، فقد ذكر المحقق العراقي (قدّس سرّه) هنا إشكالاً: وهو أنّ حصول الاطمئنان في كلّ طرف من الأطراف بعدم النجاسة


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 39. وأجود التقريرات: ج 2، ص 376.

(2) راجع الدراسات: ج 3، ص 242. والمصباح: ج 2، ص 373.

(3) راجع الرسائل: ص 259 من الطبعة المشتملة على تعليقة رحمة الله.

(4) وقد احتمل المحقّق النائيني (رحمه الله) أن يكون هذا المعنى هو مقصود الشيخ الأنصاري (رحمه الله)، وفرضه أمراً في غاية المتانة. راجع أجود التقريرات: ج 2 ، ص 278.