المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

136

نعم، لا بُدّ من التفتيش عن دليل أصل يشمل فرض العلم الإجماليّ، كأصالة الحلّ لا كأصالة البراءة، وهذا ما مضى تفصيله فيما سبق.

والخلاصة: أنـّه مع كثرة الأطراف لا أقلّ من عدم ارتكاز المناقضة، إن لم نقل بارتكاز عدم المناقضة، ويؤيّد ما ذكرناه حديث أبي الجارود: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن فقلت: أخبرني مَنْ رأى أنـّه يجعل فيه الميتة. فقال: (أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض؟!). وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً سنداً لكنّه على أيّ حالِ يؤيّد غلبة الأغراض الترخيصية في الشبهة غير المحصورة على الغرض الإلزامي، بل كون ذلك موافقاً لطبع العقلاء، وغير مناف لارتكازهم، فإنّ الظاهر من قوله بلسان الاستفهام الانكاري: «أمن أجل مكان واحد حرم جميع ما في الارض»، هو ذلك، مضافاً إلى أنّ نفس نقل هذا الخبر واحداً بعد واحد ـ ولو فرض كونه غير صادر من الإمام (عليه السلام) ـ وعدم بيان أحد لاستنكاره بمقتضى طبعه العقلائي مؤيّد لذلك.

ومناقشة الشيخ الأنصاري (رحمه الله)(1) في دلالة الحديث -بأنـّه لعلّ المقصود أنـّه علم في مكان بوضع الميتة فيه، فصار ذلك منشأً للاحتمال بالنسبة لأيّ مكان آخر أيضاً، فذكر الإمام (عليه السلام): أنّ هذا لا بأس به، وأنـّه من أجل مكان واحد لا يحرّم جميع ما في الارض، فالرواية أجنبيّة عمّا نحن فيه- غير صحيحة، فإنّ هذا خلاف الظاهر، خصوصاً بقرينة ما في ذيل الحديث، من قوله: «واللّه إنّي لأعترض السوق، فاشتري اللحم والسمن والجبن، واللّه ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البرية وهذه السودان»، فإنّ الظاهر من مثل هذه العبارة ليس هو الظنّ بعدم التسمية، بل الاطمئنان بذلك الناشىء من عدم مبالاة هؤلاء بالدين، وعدم اطّلاعهم على الأحكام، وكونهم جديدي العهد بالإسلام، فيحتمل بشأن كلّ واحد منهم عدم التسمية، ويتقوّى الاحتمال كلّما كثرت الأطراف إلى أن يصل إلى مستوى الوثوق.

المقام الثاني: في الانحلال بقطع النظر عن أدلّة الاُصول، وتوضيح ذلك: أنّ


(1) راجع الرسائل: ص 259 حسب الطبعة المشتملة على تعليقة رحمة الله.