المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

135

هذا ما يظهر من عبارة المحقّق النائينيّ (رحمه الله) في المقام(1)، لكنّك ترى أنّ هذا الكلام بهذا الوجه لا يرجع إلى محصّل؛ لأنّ القدرة ليست مقوّمة للقبح العقلي.

ولعلّ مقصود المحقق النائيني (رحمه الله) هو أنـّه لا يلزم من جريان الاُصول في الأطراف الترخيص في المخالفة القطعيّة، لأنـّها غير مقدورة، والترخيص إنـّما يعقل مع القدرة، فلم يلزم الترخيص في القبيح.

وأورد السيّد الاُستاذ(2) على ذلك، بأنّ القبيح ليس هو الترخيص في المخالفة القطعيّة فحسب، بل الترخيص القطعي في المخالفة ـ أيضاً ـ قبيح، وهنا يلزم من الترخيص في تمام الأطراف الترخيص القطعي في المخالفة، وبهذا المبنى دفع السيّد الاُستاذ شبهة التخيير كما مضى.

وحاصل الخلاف بين السيّد الاُستاذ والمحقق النائيني: هو أنّ ما هو محذور عقلاً هل هو الترخيص في المخالفة القطعيّة فقط، أو أنّ الترخيص القطعي في المخالفة ـ أيضاّ ـ محذور؟ وقد عرفت أنـّنا ننكر أصل مبنى هذا النزاع، ولا نرى محذوراً عقلاً في الترخيص على خلاف العلم الإجماليّ، بأيّ نحو كان، وإنـّما المحذور في ذلك هو المحذور العقلائي، وهو ارتكاز المناقضة بين الترخيص والحكم الواقعي القائم على أساس عدم رؤيتهم في تعايشهم وأحكامهم بين الموالي والعبيد ثبوت أهمية الأغراض الترخيصية من اللزومية، حتى مع العلم الإجماليّ بالغرض الإلزامي، فيجب أن نحسب حساب هذا المحذور؛ لنرى أنـّه هل يرتفع ذلك بكثرة الأطراف أوْ لا؟ وعندئذ نقول: اُنس ذهنهم بغلبة الغرض اللزومي على غرض الترخيص في كلّ الأطراف في تعايشهم وقوانينهم لدى العلم الإجماليّ بالغرض اللزومي، إنـّما يكون لدى قلّة الأطراف، وأمـّا مع كثرة الأغراض الترخيصية فلا يوجد اُنس ذهني بعد غلبتها على غرض إلزامي واحد مثلاً مشتبه فيما بينها، فارتكاز المناقضة هنا غير موجود، فلا مانع من جريان الاُصول(3).


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 38. وأجود التقريرات: ج 2، ص 276.

(2) راجع الدراسات : ج 3، ص 228-233-243 . وراجع المصباح : ج 2 ، ص 355 ـ 361 ـ 375.

(3) وهذا بخلاف فرض الشبهة المحصورة، حيث إنّ ارتكاز المناقضة هناك موجود في الترخيص القطعي في المخالفة، وإن لم يلزم ترخيص في المخالفة، كما إذا كانت المخالفة القطعيّة غير ممكنة، كما لو علمنا إجمالاً بحرمة الكون في أحد المكانين في وقت واحد، ويستحيل الكون فيهما معاً في ذلك الوقت.