المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

134

 

 

 

الشبهة غير المحصورة

 

التنبيه الثالث: في أنـّه هل هناك مرتبة من كثرة أطراف العلم الإجماليّ إذا وصلت إليها سقط عن التنجيز، وجاز الارتكاب أو لا ؟ والمفروض هو الكلام بالنظر إلى نكتة تنبع من ذات الكثرة تمنع عن التنجيز دون نكتة اجتمعت صدفة مع كثرة الأطراف، كما قد تجتمع مع قلّة الأطراف، كالاضطرار إلى بعض الأطراف، أو خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، أو العسر والحرج، ونحو ذلك، ممّا يُدّعى إيجابه لرفع اليد عن العلم الإجماليّ.

وهنا لا بُدّ من النظر أوّلاً إلى دليل انحلال أثر العلم بكثرة الأطراف، ثم تحديد مقدار الكثرة التي لا بُدّ منها للانحلال على ضوء ذلك الدليل، وتسمية ذلك بالشبهة غير المحصورة مثلاً، لا أنْ نتكلّم أوّلاً فى ضابط الشبهة غير المحصورة، فإنّ هذا العنوان لم يؤخذ في لسان رواية مثلاً في المقام، كي نتكلّم عن تحديد مفهومه.

ثم الانحلال تارةً يدّعى بلحاظ أدلّة الاُصول، واُخرى يُدّعى بقطع النظر عن أدلّة الاُصول، فهنا مقامان:

المقام الأوّل: في الانحلال بلحاظ أدلّة الاُصول.

ذهب المحقق النائيني (رحمه الله) إلى أنـّه إذا كانت الشبهة غير المحصورة، فلا مانع من جريان الاُصول في الأطراف؛ لأنّ العبد لا يقدر على المخالفة القطعيّة بارتكاب تمام الأطراف، وقد كان الوجه في تعارض الاُصول أنّ المخالفة القطعيّة للتكليف المعلوم قبيح، ولا يمكن أن يرخّص الشارع في القبيح، فلا يمكن جريان الاُصول في كلّ الأطراف، وعندئذ تقع المعارضة بين الاُصول وتتساقط؛ لأنّ جريان بعضها دون بعض ترجيح بلا مرجّح، وجريان الجميع يوجب الترخيص في المخالفة القطعيّة. ففي ما نحن فيه لمّا لم تكن المخالفة القطعيّة مقدورة، فإن لم يكن قبح في المقام؛ لأنّ قبح الشيء فرع القدرة عليه، فلا محذور في جريان الاُصول.