المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

130

بالمعارضة لما في عرضه؛ لذلك لو ورد: (أكرم كلّ عالم)، وورد: (أكرم زيداً العالم)، وورد: (لا تكرم زيداً العالم)، ففي أحد الطرفين يوجد الخاصّ الأوّل مع أصالة العموم، وهما متوافقان، وفي الطرف الآخر يوجد الخاصّ الثاني، وهو يخالفهما، وأصالة العموم أصل طولي، فلماذا قبلتم الرجوع إلى أصالة العموم بعد تعارض الخاصّين وتساقطهما(1)؟

قلت: الفرق هو أنّ الأصل الطولي فيما نحن فيه لم يكن في طول سقوط الأصل العرضي المخالف، إلاّ بالوجه الخامس، الذي قلنا: إنـّه ليس عرفياً، وإنـّما كان في طول سقوط الأصل العرضي الموافق له، وأمـّا في مثال الخاصّين مع أصالة العموم، فالامر بالعكس، فإن أصالة العموم تكون في طول سقوط الخاصّ المخالف، لا في طول سقوط الخاصّ الموافق له، وكونه في طول سقوط الخاصّ المخالف له مقبول منّا، وعرفاً، فإنّ العرف والعقلاء يرون أنّ أصالة العموم إنـّما تجري لو لم يكن هناك مخصّص للعامّ حجّة بقطع النظر عن العامّ، ومع وجوده لا تصل النوبة إلى العامّ، وإذا كان الأمر كذلك، فبعد سقوط الخاصّ عن الحجّيّة، تصل النوبة إلى العامّ، وترى أنّ العقلاء بانون على هذا، أعني: الرجوع إلى العامّ بعد سقوط الخاصّ بالمعارض، والنكتة في ذلك ما ذكرناه.

ثمّ إنّ تمام ما ذكرناه إنـّما يكون له موضوع بناءً على ما هو مبنى الأصحاب من حكومة بعض الاُصول على بعض مع كونها متوافقة. وأمـّا بناءً على مبنانا -على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله في بحث تعارض الاُصول، من أنّ الاُصول المتوافقة ليست لبعضها حكومة على بعض، وإنـّما يقدّم بعض الاُصول على بعض في الاُصول المتنافية، حيث يكون بعضها قرينة على إرادة خلاف الظاهر من دليل البعض الآخر، وهذه القرينة غير موجودة لدى الموافقة- فلا يبقى موضوع لهذا البحث، وتصبح الاُصول الثلاثة النافية كلّها في عرض واحد، وتتساقط بالتعارض.

وقد تنقّح من تمام ما ذكرناه أنـّه في الصورة الاُولى، وهي فرض اختصاص أحد الأطراف في نفسه بالأصل النافي، لا إشكال ثبوتاً في جريان الأصل النافي، لأنّ المحذور الثبوتي هو المعارضة، وهي غير موجودة. وأمـّا إثباتاً فإنـّما يجري أصل


(1) على ما هو المشهور من مرجعيّة العامّ في مثل هذا الفرض، وإن مضى منّا النقاش فيه في المجلّد السابق، راجع ص 204-208 من ذاك المجلد.