المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

129

يصلح للمعارضة مع الأصل العرضي في الطرف الثاني، بل يكون الأصل العرضي مقدّماً عليه، من دون أن يلزم من هذا التقديم ترجيح بلا مرجّح، فهو في طول سقوطه، وإذا كان كذلك فبعد سقوطه بالتعارض مع الأصل الحاكم تصل النوبة إلى هذا الأصل الطولي.

والجواب عن هذا الوجه - وهو جواب عن جملة من الوجوه السابقة ـ أيضاً - : هو أنّ حجّيّة الظهورات الثلاثة، أعني: ظهور دليل الأصل في الأصل الحاكم، وكذا الأصل العرضي الآخر وكذلك الأصل الطولي، لو كانت أثراً لها بقوانين تكوينية، لصحّ ما عرفته من الوجه، ولأثّر المؤثّر الطولي لا محالة بحكم قوانين الطبيعة الصارمة، كما أنـّه لو كانت الحجّيّة أثراً شرعياً يتمشّى مع موضوعاتها تمشّي التاثيرات التكوينية، بنفس الترتيب الدقيق الذي عرفته في هذا الوجه، كانت ـ أيضاً ـ من المتعيّن حجّيّة الأصل الطولي، لكنّ الأمر ليس كذلك، وإنـّما الحجّيّة أمر ثابت بالارتكاز العقلائي، فلابدّ من الرجوع إلى الارتكاز العقلائي؛ لنرى أنـّه لو لاحظ العرف والعقلاء مثل هذه الظهورات الثلاثة فهل يحصّل منها شيئاً، ويبني على حجّيّته، أو يراها ظهورات متعارضة ومتكاذبة يتحيّر فيما بينها، فيحكم بتعارض الجميع وتساقطها؟

والصحيح: هو الثاني، وتأخّر الأصل الطولي عن سقوط الأصل العرضي في الطرف الثاني بمثل هذا التدقيق العقلي، لا يؤثّر في بناء العرف والعقلاء وارتكازهم. نعم، لو تمّ الوجه الأوّل لكان عرفياً.

وقد تحصلّ من جميع ما ذكرناه أنّ الأخذ بالأصل الطولي بعد رفع اليد عن الأصلين العرضيين إذا لم يكونا متسانخين، ممّا لا أساس له لبطلان جميع الوجوه في المقام.

إن قلت: أيّ فرق بين الاُصول العملية والاُصول اللفظية، حيث انكرتم الرجوع إلى الأصل الطولي بعد سقوط الأصلين العرضيين، في حين أنـّكم تبنون على ذلك في الاُصول اللفظية، فتقولون: إنـّه إذا كان لدينا خاصّان متعارضان مع عموم فوقاني نرجع بعد تعارض الخاصّين وتساقطهما إلى العموم الفوقاني، مع أنّ نفس الخارطة الموجودة في الاُصول العملية موجدة في الاُصول اللفظية، فكما أنـّه كان فيما نحن فيه أصلان متوافقان في أحد الطرفين، وأصل مخالف في الطرف الآخر، وأحد الاصلين المتوافقين طولي، ولم تقبلوا الرجوع إلى الأصل الطولي، بعد سقوط الأصل المخالف