المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

128

وما مضى من السيّد الاُستاذ: من التعبير في الجواب عن شبهة كون الطولية منجية للأصل في المقام عن التعارض بـ (كون التنجيز أمراً زمانياً لا رتبياً) إن قصد به الجواب عن هذا الوجه، فهو صحيح، وإلاّ فلا موقع له(1).

الوجه الخامس: وهو أحسن الوجوه وأمتنها، هو أنّ تعارض الأصلين إنـّما يكون إذا كانا في ذاتهما متساويين اقتضاءً ومحذوراً. أمـّا تساويهما اقتضاءً، فبأن يكون انطباق موضوع دليل الأصل، وهو عدم العلم مثلاً ثابتاً بالنسبة إلى كلّ واحد منهما، وأمـّا تساويهما محذوراً فباعتبار أنـّه يلزم من مجموعهما الترخيص في المخالفة القطعيّة مثلاً، ومن إجراء أحدهما دون الآخر محذور الترجيح بلا مرجح، ومحذور الترجيح نسبته إلى كليهما على حدّ سواء، فإن كان ممكناً فهو ممكن في كلّ واحد منهما، وإن كان محذوراً و محالاً فهو كذلك بالنسبة لكلّ واحد منهما. أمـّا إذا وجد في أحدهما محذور آخر مستقلّ غير محذور الترجيح بلا مرجّح، فليس الأصلان متساويين محذوراً، فلا معنى للمعارضة بينهما.

وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ جريان الأصل العرضي في الطرف الثاني دون الأصل الطولي في الطرف الأوّل، أو الأصل العرضي فيه، ليس فيه محذور عدا محذور الترجيح بلا مرجح. وأمـّا الأصل الطولي فبقطع النظر عن محذور الترجيح بلا مرجح يستحيل جريانه؛ وذلك لأنـّه إذا صار البناء على إسقاط الأصل العرضي في الطرف الثاني في مقابل معارضه، لفرض عدم المحذور في الترجيح بلا مرجّح، فعندئذ يدور الأمر بين تقديم الأصل الطولي عليه وتقديم الأصل الحاكم العرضي عليه، ولا يمكننا أنْ نختار الشقّ الأوّل من هذين الشقّين، وهو تقديم الأصل الطولي عليه، لا لكون ترجيحه على الشقّ الثاني مستلزماً لمحذور الترجيح بلا مرجّح، بل لأنـّه إذا دار الأمر بين تقديم الأصل الطولي وتقديم الأصل العرضي الحاكم فحتماً يجب تقديم الأصل العرضي الحاكم، ولا تصل النوبة إلى تقديم الأصل الطولي؛ لأنّ المفروض حكومة الأصل العرضي عليه، وتقدّمه عليه، فإذا كان الأصل الطولي يختصّ بمحذور مستقلٍّ بقطع النظر عن محذور الترجيح بلا مرجح الذي نسبته اليهما على حد سواء، فلا


(1) يأتي شرح ذلك ـ إن شاء الله ـ في مسألة ملاقي أحد أطراف العلم الإجماليّ.