المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

114

مبنانا في الحكومة أنّ روحها لا ترجع إلى التخصيص، بأن يكون الفرق بينهما من ناحية التفّنن في التعبير فحسب، بل تخرج الفرد حقيقة عن العام، والظاهر أنّ مدرسة المحقّق النائينيّ (قدس سره)عادةً أو غالباً تقول بذلك، ولكن المختار خلافه، فلو بنينا على هذا المبنى فدليل الأصل الحاكم يرفع موضوع الأصل المحكوم حقيقة، ويكون مرجعه إلى الورود.

فلو كان كلّ واحد من الطرفين في نفسه مجرىً لاصالة الحلّ مثلاً، لكن جرى في أحد الطرفين الاستصحاب المثبت للحرمة، وقلنا بأنـّه يرفع حقيقة موضوع أصالة الحلّ، فقد انهدم بذلك ظهور دليل أصالة الحلّ بالنسبة لذاك الطرف لغرض ارتفاع موضوعه حقيقة، وظهوره بالنسبة للطرف الآخر ليس مخالفاً للارتكاز، كي يصبح مجملاً، أو غير حجّة، فتجري فيه أصالة الحلّ بلا محذور، فالشبهة لو تمّت فإنـّما تتمّ في غير هذه الفروض الأربعة.

والجواب عن أصل الشبهة يظهر بالالتفات إلى ما نقوله في تخصيص العامّ بمخصّص متّصل مردّد بين المتباينين، كما لو قال:«يجب إكرام العالم ـ أو كلّ عالم ـ إلاّ زيداً»، وكان في العلماء شخصان مسمّيان بزيد، فهذا العامّ إنـّما يصبح مجملاً في قبال ظهوره في هذا الفرد بعنوانه، وفي ذاك الفرد بعنوانه، ولكنّه يبقى ظهوره في عنوان (الفرد الآخر) ثابتاً، فقوله: «يجب إكرام كلّ عالم» يكون ظاهراً ـ لولا التخصّص ـ في تمام الأفراد، وقوله:« إلاّ زيداً» بعد فرض عدم صحة إرداة المعنيين منه إنـّما أخرج واحداً معيّناً عند اللّه، فبالإمكان أن نشير إلى الفرد الآخر، ونقول: إنّ ظاهر هذا الكلام هو وجوب إكرام الفرد الآخر، (أو قل: الفرد الثاني)، وهذا الظهور حجّة، وفائدة ذلك تكوّن العلم الإجماليّ بوجوب إكرام أحد الزيدين .

واستشكلنا في ذلك بان هذا إنـّما يتمّ لو كان للفرد الخارج بهذا المخصّص تعيّن واقعي، فيكون للفرد الآخر أيضاً تعيّن واقعي، فنشير إليه، ونقول: إنّ الكلام بظهوره شامل له، وهذا ثابت في المثال الذي ذكرناه، فإنّ المولى قد أراد من كلمة (زيد) في قوله: «إلاّ زيداً» فرداً معيّناً عنده، وشككنا في خروج الفرد الآخر، أمـّا إذا لم يكن الأمر كذلك، أي: لم يثبت تعيّن واقعيّ للفرد الخارج به، فلا معنى للإشارة إلى غيره بعنوان الفرد الآخر، أو الفرد الثاني مثلاً، والقول بحجّيّة العامّ في ذلك الفرد، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ المخصّص فيه هو الارتكاز، والارتكاز نسبته إلى الفردين على حدّ سواء، فلم يثبت تعيّن للفرد الخارج به، فلو كان في الواقع كلاهما خارجاً