المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

96

في مرتبة البراءة العقليّة ـ والتي يرتفع موضوعها ببيان إيجاب الاحتياط. ولو لم يتمّ الأوّل لم تتمّ دلالة الحديث على البراءة لا بالدرجة الثانية ولا بالدرجة الاُولى، فلابدّ من تحقيق حال هذين الأمرين:

أمّا الأمر الأوّل: فقد ذهب السيّد الاُستاذ إلى أنّ المراد بالورود هو الوصول لا الصدور. وتقريب ذلك: أنّ الإطلاق المذكور في هذا الحديث لا يخلو حاله عن أحد احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: ما احتمله المحقّق النائينيّ(رحمه الله) من الإطلاق العقليّ المقابل للحرج العقليّ، بحيث يكون محصّله هو حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فالحديث ليس إلاّ إرشاداً محضاً إلى حكم العقل من دون إعمال للمولويّة.

الاحتمال الثاني: الإباحة المجعولة من قبل المولى ـ بما هو مولىً ـ إباحة واقعيّة.

الاحتمال الثالث: الإباحة المجعولة بنحو الحكم الظاهريّ.

وما هو المدّعى ومحلّ البحث في المقام إثباتاً ونفياً هي الإباحة بالمعنى الثالث، وعندئذ يقال: إنّ المعنى الأوّل مخالف لظهور الخطاب الصادر من المولى في المولويّة. والمعنى الثاني غير صحيح على كلا التقديرين في معنى الورود ـ أي: سواء اُريد به الوصول أو الصدور ـ فإنّه لو اُريد به الوصول، لم يكن مجال للمعنى الثاني؛ لإنّ الحكم الواقعيّ لا يؤخذ في موضوعه عدم العلم بحكم واقعيّ آخر، وإلاّ لزم عند ثبوت ذلك الحكم الآخر واقعاً اجتماع حكمين واقعيّين وهو محال. ولو اُريد به الصدور، لم يكن أيضاً مجال للمعنى الثاني سواء اُريد تعليق الحلّيّة الواقعيّة ـ المقصود بها مطلق ما يقابل الحرمة، لا الإباحة بالمعنى الأخصّ ـ على عدم الحرمة، أو اُريد مجرّد بيان الملازمة بينهما، فإنّه إن اُريد الأوّل، فقد اُريد المحال، لاستحالة توقّف أحد الضدّين على الآخر. وإن اُريد الثاني كان لغواً