المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

89

كاف للحكم بالنفي بلا حاجة إلى عدم الوجود، وفي خصوص المورد وإن كان عدم الوجدان مساوقاً لعدم الوجود؛ إذ لا يحتمل وجوده فيما اُوحي إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) إليه، لكن هذا لا يغيّر من ظهور الكلام في أنّ العبرة بنفس عدم الوجدان، فيدلّ على البراءة عند عدم الوجدان.

والتحقيق في المقام: أنّ عدم الوجدان بما هو ليس موضوعاً للعذر كما هو واضح، وإنّما العبرة في الحقيقة بما هو مسبّب عن عدم الوجدان، وهو عبارة عن أحد أمرين: عدم العلم، والعلم بالعدم، فإنّ عدم الوجدان قد يوجب عدم العلم، وقد يوجب العلم بالعدم، والحكم بالعذر عند عدم الوجدان يكون في نفسه ظاهراً في البراءة عند الشكّ، لنكتةِ إنّ عدم الوجدان غالباً يوجب عدم العلم لا العلم بالعدم، لكن في خصوص ما نحن فيه يكون وضوح سببيّة عدم الوجدان للعلم بالعدم لا لعدم العلم، نكتة مكتنفة بالآية صالحة للقرينيّة لكون المراد من الآية بيان معذريّة عدم الوجدان باعتبار أدائه إلى العلم بالعدم، وبهذا ينهدم ذاك الظهور.

ولو قطعنا النظر عن هذا الإشكال قلنا: إنّ عدم الوجدان على قسمين: أحدهما: عدم الوجدان مع فرض وصول تمام الأحكام إلى الإنسان والفحص فيها كما هو الحال في مورد الآية، وعندئذ لا يتصوّر منشأ لعدم الوجدان إلاّ الغفلة والنسيان ونحو ذلك. وثانيهما: عدم الوجدان لأجل عدم وصول قسم كبير من تراث الشيعة وأخبار الشريعة إلينا لظلم الظالمين، وهذا هو محلّ الابتلاء غالباً في باب البراءة، والآية الشريفة بعد تسليم دلالتها على البراءة إنّما تدلّ عليها في القسم الأوّل، وهو عدم الوجدان مع فرض حضور تمام الأحكام لدى الإنسان كما هو مورد الآية، ولا يقال: إنّ مقتضى إطلاق الآية ثبوت البراءة في كلا القسمين، فإنّ الآية الشريفة لم تكن بصدد بيان الحكم بالبراءة على موضوع عدم الوجدان حتّى يتمسّك بإطلاق الكلام الدالّ على كون عدم الوجدان تمام الموضوع، وإلاّ لزم نقض