المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

83

ذات الحكم، فيقال: إنّه لا فرق بين بيان الحكم الواقعيّ وبيان الحكم الظاهريّ، فبيان وجوب الاحتياط الذي هو حكم ظاهري أيضاً بيان لما يتّقون ورافع لموضوع الآية.

والتحقيق: أنّ الظاهر من الموصول ليس هو الحكم، فإنّ الحكم ليس ممّا يتّقى منه، وهو ثابت على أيّ حال بجعل الشارع، وإنّما الذي يتّقى منه إمّا هو العقاب، وإمّا هو مخالفة الحكم ـ أي: فعل الحرام ـ والمقصود بالموصول ليس هو العقاب، فإنّ الآية جعلت العقاب متأخّراً رتبةً عن البيان، والمفروض تعلّق البيان بما يتّقون، فيجب أن يكون ما يتّقى منه ثابتاً في الرتبة السابقة على البيان والتنجّز، فليس هو العقاب، فيتعيّن الثاني وهو فعل الحرام، فإذا اتّضح لك أنّه يجب أن يفرض ما يتّقى شيئاً ثابتاً يتّقى منه في الرتبة السابقة على البيان والتنجّز، وهو عبارة عن موضوع المنع الشرعيّ، قلنا: من الواضح أنّ الذي يتّقى منه قبل التنجّز، أي: يحسن الاتّقاء منه بمجرّد الاحتمال ـ وإن كان غير منجّز ـ إنّما هو موضوع المنع الواقعيّ لا موضوع المنع الظاهريّ، فإنّ الممنوع ظاهراً بما هو كذلك لا يتّقى منه قبل التنجّز(1). فالرافع لموضوع الآية إنّما هو بيان الحكم الواقعيّ، فدلّت الآية



(1) وبكلمة اُخرى: إنّ المقصود بالاتّقاء في الآية الذي يبيّن ليس هو الاتّقاء من مخالفة التنجيز حتّى يقال: لا فرق بين تنجيز الواقع بوصول الحكم الواقعيّ وتنجيزه بوصول الحكم الظاهريّ، فإنّ المفروض في الآية أنّ التنجيز متأخّر رتبةً عن بيان ما يتّقى، وإنّما المقصود هو نفس الفعل الذي يحسن اتّقاؤه قبل التنجيز، وليس هذا إلاّ ما هو محرّم واقعاً.

أقول: حمل الاتّقاء على الاتّقاء الحسن وليس الاتّقاء الواصل إلى مستوى اللزوم خلاف الظاهر، والظاهر أنّ المقصود ممّا يتّقون ما يكون مطلوباً للمولى بدرجة اللزوم اتّقاء العبد عنه، وهذا قبل التنجيز لا يكون إلاّ في متعلّق الحرمة الواقعيّة دون الظاهريّة.