المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

82

وإنّما المقصود نوع من أنواع العذاب وهو ـ على حدّ تعبير أصحاب هذا الاحتمال ـ الخذلان والطرد عن كثير من أبواب الرحمة، فالآية دلّت على نفي بعض أقسام العذاب، ولكن لم تدلّ على نفي العقاب إطلاقاً، ولعلّ هذا هو مقصود الشيخ الأعظم(قدس سره)من قوله: (إنّ توقّف الخذلان على البيان غير ظاهر الاستلزام للمطلب، اللّهمّ إلاّ بالفحوى)(1).

والإنصاف: أنّ هذا الإشكال أيضاً في غير محلّه، فإنّنا إن سلّمنا أنّ المراد بالإضلال نوع خاصّ من العقاب، قلنا: إنّ الخصوصيّة ملغاة بالارتكاز العرفيّ، كما كانت خصوصيّة الرسول في الآية السابقة ملغاة بذلك، والعرف يفهم من ذلك تعليق طبيعيّ العقاب على البيان بلا حاجة إلى التمسّك بالفحوى والأولويّة حتّى يستشكل في ذلك.

الثالث: أنّ هذه الآية إن دلّت على البراءة فإنّما تدلّ على ما يساوق البراءة العقليّة، فإنّ بيان الاحتياط أيضاً بيان لما يتّقون، فهذه الآية لا تعارض دليل الاحتياط، بل يرتفع موضوعها بدليل الاحتياط، وحيث إنّ الأصحاب كانوا يعتقدون بقبح العقاب بلا بيان بحكم العقل لم يكن يهمّهم إثبات ما يساوق البراءة العقليّة في الرتبة بدليل شرعيّ، وإنّما كان مقصودهم خصوص إثبات البراءة التي هي أرقى مرتبة من البراءة العقليّة، ولا يرتفع موضوعها ببيان الاحتياط، فاُشكل على هذه الآية بهذا الإشكال: وهو عدم دلالتها على ما هو أرقى من البراءة العقليّة.

أقول: كأنّ هذا نشأ من تخيّل أنّ المراد بالموصول في قوله: ﴿مَا يَتَّقُون﴾ هو



(1) الرسائل، بحث آيات البراءة، ص 194 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة (رحمت الله).