المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

76

وتقريب الاستدلال بهذا الحديث: أنّه وإن كان المفروض في مورد الحديث هو عدم القدرة؛ لأنّه نفى وجود أداة ينالون بها المعرفة ولابدّ من حمله على معرفة المطالب الإلهيّة وشؤونه ـ جلّ جلاله ـ بنحو التفصيل الذي يكون خارجاً عن قدرة العباد ما لم يبيّن لهم الله ـ تعالى ـ تلك التفاصيل، ولكنّه إنّما وقع في الحديث الاستشهاد بالآية الشريفة بعد قوله: «على الله البيان»، وهذا يدلّ عرفاً على أنّ الإيتاء في الآية الشريفة شامل للبيان، كما يكون شاملاً للإقدار على الفعل وإعطاء المال، وأنّ الموصول شامل للتكليف كما يكون شاملاً للمال والفعل، فتدلّ الآية على عدم التكليف بلا بيان وهو المقصود.

ويرد عليه: أنّ هذا إنّما يتمّ لو كان المقصود بالبيان بيان التكليف، فالظاهر عندئذ من الحديث هو تعليل عدم كون العباد ملزمين بالمعرفة بعدم بيان تكليفهم بالمعرفة والاستشهاد لهذا التعليل بالآية الشريفة، فالنظر في الاستشهاد بها يكون إلى عنوان عدم بيان التكليف لا إلى عدم القدرة على المكلف به، وإن كان عدم القدرة أيضاً مفروضاً في الحديث، لكنّ الظاهر من هذا الحديث بقرينة الاستشهاد بقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَا﴾ هو كون المقصود بالبيان بيان نفس التفاصيل الذي تتوقّف عليه القدرة على المعرفة، ولا أقلّ من الإجمال، فالنظر على هذا الفرض في الاستشهاد بالآية ليس إلى عنوان عدم بيان التكليف الذي هو الموضوع للبراءة، بل النظر في ذلك إلى عدم بيان التفاصيل باعتبار كونه موجباً لعدم القدرة والوسع، فالحديث إنّما يكون شاهداً لشمول الآية لباب عدم القدرة على الفعل.

وعلى أيّة حال، فقد عرفت أنّ الاستدلال بالآية الشريفة في نفسه تامّ بلا حاجة إلى فرض ضمّ هذا الحديث.