المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

74

رسوله(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الطاهرين(عليهم السلام)، وإنّما نشأ شكّنا في التكليف من ناحية احتمال استتار البيان علينا باعتبار ظلم الظالمين، وهذا لا يكون مشمولاً للآية الكريمة.

قلت: هذا أيضاً خلاف الإنصاف، فإنّ الآية لا تقول: (لا يكلّف الله نفساً إلاّ ما بيّنه في نفسه) بل تقول: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾، فلابدّ من فرض الإيتاء لكلّ نفس نفس بحسب القضيّة الحقيقيّة، فلابدّ أن يكون المقصود بالإيتاء هو الإيصال بالمعنى المفيد في مورد الكلام، لا مجرّد البيان وإن لم يصل.

بقي الكلام في أنّ الآية الشريفة هل تدلّ على البراءة الشرعيّة التي هي على مستوى البراءة العقليّة عند مدّعيها ـ أي: أنّه يكفي في رفع موضوعها بيان إيجاب الاحتياط، أو تدلّ على ثبوت البراءة ما لم يبيّن نفس التكليف ولم يصل إلى العبد ـ فلو دلّ دليل على إيجاب الاحتياط لا على نفس التكليف وقعت المعارضة بينهما.

والتحقيق في ذلك: أنّه لابدّ أن يُرى أنّ النسبة بين الفعل وما أثبتنا إرادته من الموصول بالإطلاق وهو التكليف هل هي نسبة السببيّة، أو نسبة المورديّة؟ فإن كانت النسبة هي نسبة السببيّة كان معنى الآية: أنّ الله ـ تعالى ـ لا يوجد كلفة على العباد ناشئة من تكليف غير واصل سواءً سمّينا الموصول عندئذ بالمفعول به أو لا، وإن كانت النسبة هي نسبة المورديّة كان معنى الآية: أنّ الله ـ تعالى ـ لا يوجد كلفة على العباد بإزاء تكليف لم يصل، أي: لا يكلّفه بذلك الحكم.

فإن فرض الأوّل: كفى في ارتفاع موضوع البراءة في حدودها المستفادة من الآية وصول دليل إيجاب الاحتياط، ولا تعارض الآية دليل الاحتياط لو تمّ في نفسه، فإنّ الكلفة الحاصلة عندئذ نشأت من إيجاب الاحتياط الواصل لا من الحكم غير الواصل.

وإن فرض الثاني: فالآية بنفسها تنفي إيجاب الاحتياط، وتعارض دليل إيجابه؛ لأنّ وجوب الاحتياط ينجّز الواقع ويصحّح العقاب على الواقع، فيصبح الإنسان مبتلى بالواقع مع أنّ الواقع غير مأتيّ به للإنسان، وهذا خلاف الآية