المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

73

إن قلت: إنّ غاية ما يستفاد من الآية هي أنّ الله ـ سبحانه ـ لا ينجّز على العباد التكاليف إلاّ إذا بيّنها لهم، وهذا غير ما نحن بصدده، فإنّ كلامنا ليس في فرض عدم البيان من الله، ونحن نعلم أنّ الله ـ تعالى ـ قد بيّن تمام الأحكام على لسان


المادّيّة، بل يستعمل بمعناه الحقيقيّ في الاُمور المعنويّة أيضاً، وإعطاء كلّ شيء بحسبه، وليس إعطاء الملك والنبوّة والرحمة ونحو ذلك إلاّ أمثلة لإعطاء الاُمور المعنويّة وإيتائها، ولكن الكلام إنّما هو في استعمال الإيتاء بمعناه الحقيقيّ في مورد الإعلام، وكون الإعلام مصداقاً حقيقيّاً للإيتاء، وواقع الأمر هو أنّه حينما ينسب الإيتاء بمعنى الإعلام إلى الاُمور الذهنيّة فلا إشكال في كونه حقيقة، فإنّ إيتاء كلّ شيء بحسبه، وإيتاء الاُمور الذهنيّة إلى الذهن، أو إعطاؤها إيّاه هو إعلامها إيّاه، ومن هنا كان استعمال الإيتاء في مورد العلم أو الحكمة بأن يقال: (آتاه الله العلم)، أو يقال: (آتاه الله الحكمة) استعمالاً حقيقيّاً. أمّا إذا نسب الإيتاء إلى واقع خارجيّ لا إلى الواقع الذهنيّ وقصد به الإعلام والإيصال إلى الذهن، فهذا مجاز لا محالة، فإنّ إيتاء الواقع الخارجيّ وإعطاءهُ ليس عبارة عن إعلامه، وإعلامه إنّما يكون إيتاء لصورته الذهنيّة، ومن هنا يتّضح أنّ نسبة الإيتاء إلى التكليف بوصفه معرفة من المعارف وصورة علميّة في ذهن من يعلم به تكون على نحو الحقيقة لا المجاز. أمّا نسبته إلى واقع التكليف، بمعنى إعلامه وإيصال صورته إلى الذهن فمجاز. ومن هنا يتّضح أنّ فرض شمول الآية المباركة للإيتاء بمعنى الإعلام لا يتمّ على نحو الحقيقة؛ إذ لو فرض شمول (ما) الموصولة في الآية للتكليف فالمقصود بذلك هو واقع التكليف لا الصورة العلميّة للتكليف؛ لأنّ واقع التكليف هو الذي ينقسم إلى ما علم به، وما لم يُعلم به، فيمكن حصر ثبوت المشقّة بالقسم الذي علم به. أمّا الصورة العلميّة للتكليف فلا تنقسم إلى هذين القسمين، إذن ففرض شمول الإيتاء في الآية للإعلام خلاف الظاهر، ولا يتمّ الإطلاق عندئذ في الموصول، والآية أجنبيّة عن البراءة الشرعيّة.