المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

72

إن قلت: إنّ الإيتاء وإن كان قد يستعمل في إيصال التكليف للإنسان، إلاّ أنّ هذا استعمال مجازيّ، فلا يمكن إثباته بالإطلاق في الآية.

قلت: إنّ هذا خلاف الإنصاف، فإنّ الإيتاء بمعنى الإعطاء المضايف تقريباً للأخذ لا يكون مفهومه مقيّداً بالمصداق المادّيّ للإعطاء، وكما أنّ الاُمور المادّيّة قابلة للإعطاء والأخذ كذلك الاُمور المعنويّة قابلة للإعطاء والأخذ، ويستعمل فيها الإعطاء والأخذ بلا عناية أصلاً، وقد استعمل الإيتاء كثيراً في القرآن الكريم في الاُمور المعنويّة، كالملك والحكم والنبوّة والعلم والهدى والرحمة. نعم لم يستعمل صريحاً في الأحكام والفرائض، ولكن لا يبعد أن يكون هو المقصود في قوله تعالى: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾(1)، وكذلك قوله تعالى: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّة﴾(2)، فإنّ سياق الحديث القرآنيّ يناسب أن يكون المقصود بما آتيناكم الشريعة والأحكام، وفسّر بذلك في الروايات. نعم، لعلّ من الملحوظ في سائر الموارد نكتة كون المأتيّ به في مصلحة الشخص، وهذه النكتة موجودة فيما نحن فيه ـ أي: الأحكام ـ فإنّها خير للبشر وهداية له من الضلالة والعمى إلى السعادة والرشاد. وكذلك كلمة الأخذ أيضاً التي هي في قبال كلمة الإعطاء والإيتاء استعملت في الروايات في الأحكام؛ كما في قوله: (يونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟) وخلاصة الكلام: أنّه ليست هناك أيّ عناية في استعمال الإيتاء والأخذ في الأحكام ومعالم الدين(3).

 


(1) سورة 59 الحشر، الآية: 7.

(2) سورة 2 البقرة، الآية: 63 و 93، وسورة 7 الأعراف، الآية: 171.

(3) لا ينبغي الإشكال في أنّ الإيتاء الذي هو بمعنى الإعطاء لا يختصّ بالاُمور