المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

61

نحو ذلك الأمر، واُخرى يفرض احتماله لذلك لا غفلته عنه نهائيّاً، وعندئذ كون وجوده الاحتماليّ الذي هو أيضاً وصول كالعلم وإن كان بمرتبة نازلة محرّكاً أو لا، مربوط بدرجة اهتمامه بذلك الغرض، فقد لا يكون عطشه بمقدار يحرّكه نحو النظر إلى خلفه بمجرّد احتمال وجود الماء خلفه، وقد يكون عطشه بمقدار يحرّكه نحو حفر الأرض بمجرّد احتمال وجود عين ماء هناك.

وأمّا المحرّك المولويّ وهو حكم المولى فبعد أن عرفت أنّ التحريك المولويّ قائم على أساس الحسن والقبح وحكم العقل بلابدّيّة الطاعة وترك المعصية عملاً بحقّ المولى تعرف أنّ كونه محرّكاً بوجوده الاحتماليّ وعدمه متفرّع على مقدار سعة حقّ المولويّة وتلك اللابدّيّة، فإن فرض ثبوت حقّ المولويّة في الأحكام المحتملة ثبت هذا المقتضي للتحريك، وإلاّ فلا، وهذا ليس مطلباً صناعيّاً يجب أن يبيّن في صياغة فنّيّة، وإنّما هو أمر ساذج يجب أن يراجع فيه كلّ إنسان عقله العمليّ كي يرى أنّه هل يحكم عقله بحقّ الطاعة في الحكم المشكوك أو لا؟ فأيّ حاجة إلى ما صنعوه من تطويل المسافة واصطنعوه من صورة الاستدلال والصناعة للمطلب؟!

ونحن نسأل المحقّق النائينيّ(رحمه الله) عن مراده بقبح العقاب بلا مقتض للتحريك، فهل المراد هو المقتضي الذاتيّ للتحريك، أو المراد هو المقتضي المولويّ للتحريك؟ فإن كان المراد هو الأوّل فانتفاء المقتضي الذاتيّ للتحريك لا يقبّح العقاب، وإلاّ لزم قبح عقاب الفسّاق والفجّار؛ إذ لا يوجد لديهم مقتض ذاتيّ للطاعة وترك المعصية، وإن كان المراد هو الثاني، فعدم المقتضي المولويّ للتحريك عند الشكّ أوّل الكلام(1)، فإنّه مربوط بسعة دائرة حقّ المولى وضيقه.



(1) ومن الطريف ما جاء في أجود التقريرات من الاستدلال على عدم محرّكيّة الاحتمال بتساوي نسبة الاحتمال إلى طرفي الوجود والعدم.