المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

60

التكاليف المولويّة، فإنّها إنّما تقتضي التحريك بوجودها العلمىّ والواصل في اُفق النفس دون مجرّد وجودها بحسب الواقع، وبذلك يظهر قبح العقاب بلا بيان،إذ مع عدم البيان لا مقتضي للتحريك حتّى يقول المولى للعبد: (لماذا لم تتحرّك؟)(1).

والتحقيق: أنّ هذا التقريب لا يرجع إلى محصّل. بيان ذلك: أنّ المحرّك على قسمين: محرّك ذاتيّ، ومحرّك مولويّ، ومقصودنا بالأوّل ما يقتضي التحريك على أساس الملائمة أو المنافرة لطبع الإنسان بمرتبة من مراتب وجوده من عقله، أو طبعه الحيوانيّ، أو غير ذلك، ومن هذا القبيل تحريك الماء للعطشان نحو شربه، وتحريك الأسد للإنسان نحو الفرار، ومقصودنا بالثاني ما يقتضي التحريك على أساس الحسن والقبح، وحقّ المولى ولابدّيّة الطاعة وترك المعصية بحكم العقل العمليّ.

أمّا المحرّك الذاتيّ وهو الملائمة والمنافرة للطبع ففي الحقيقة إنّما يكون محرّكاً بوجوده العلمىّ إذا كانت الملائمة والمنافرة بدرجة تغلب على ما قد يكون في التحرّك من التعب والمؤونة مثلاً، فالعطشان الذي لا يجد ماءً إلاّ تحت الأرض بالحفر قد يكون عطشه بمقدار يكون تحملّه للعطش أسهل من تحملّه لمؤونة الحفر، فلا يتحرّك نحو الحفر، وقد يكون بمقدار يتحرّك نحو الحفر رغم ما فيه من المؤونة والشدّة.

ثمّ الغرض الواصل إلى درجة المحرّكيّة عند القطع هل يكون محرّكاً عند عدم القطع أو لا؟ الصحيح: أنّه تارةً تفرض الغفلة نهائيّاً عن الأمر كالعطشان الغافل رأساً عن احتمال وجود الماء خلفه، وعندئذ لا معنى للتحريك، فإنّ الشيء بمجرّد وجوده الواقعيّ لا يكون مؤثّراً في النفس وموجداً للعزم والإرادة وبالتالي محرّكاً



(1) راجع أجود التقريرات، ج 2، ص 186.