المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

59

والثاني: تقريب أعمق من التقريب السابق جيء به على يد المحقّق النائينيّ(رحمه الله)ومدرسته، وهو: أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان مرجعها إلى قاعدة قبح العقاب بلا مقتض للتحريك؛ وذلك لأنّ الأشياء الخارجيّة بوجوداتها الواقعيّة لا تقتضي العزم والإرادة في عالم النفس، وبالتالي حركة الإنسان نحو ذلك الأمر أو نحو الفرار منه، وإنّما المقتضي للعزم والإرادة في عالم النفس، وبالتالي لحركة الإنسان نحو ذلك الشيء، أو الفرار منه، إنّما هو الأشياء الخارجيّة بوجوداتها العلميّة في عالم النفس، فالعطشان قد يموت من العطش مع وجود الماء خلفه وهو لا يشربه لأنّه لا يدري به، وإذا علم بذلك حصل له العزم وأراد تحصيله وتحرّك نحو شربه. والسبع قد يباغت الإنسان فيأكله لأنّه بوجوده الواقعيّ ليس محرّكاً للإنسان نحو الفرار، وإنّما يكون محرّكاً بوجوده الواصل، فإذا علم به الإنسان فرّ منه. نعم قد يحتاط الإنسان في غير مورد العلم، فلا يجتاز مسبعة الأسد مثلاً، ولكن هذا يكون بنكتة اُخرى واصلة إليه، فالمحرّك بالآخرة هو الوجود الواصل، وهكذا الحال في


العمل بالبراءة في الشرعيّات فالناس بطبعهم الأوّليّ سيتعدّون من العرفيّات إلى الشرعيّات ويعملون بالبراءة فيها، فسكوت الشارع دليل على إمضاء البراءة.

إلاّ أنّ هذا الكلام لو تمّ فإنّما يثبت البراءة الشرعيّة لا البراءة العقليّة، نعم تثبت بذلك البراءة الشرعيّة التي هي بمستوى البراءة العقليّة، أي: أنّ أدلّة الاحتياط لو تمّت ترفع موضوعها، ولو سقطت بالتعارض مع روايات البراءة كانت هذه البراءة هي المرجع.

وقد يقال: إنّ هذا الكلام من أساسه غير صحيح؛ لأنّ الفرق بين المولويّة الذاتيّة والمولويّات العرفيّة في السعة والضيق لعلّه واضح بالفطرة ممّا يمنع الناس عن التعدّي إلى الشرعيّات.