المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

58

مولىً جعليّ آخر فرغ عن مولويّته في المرتبة السابقة، وينتهي أمر جعل مولويّته إلى مولىً من أحد الأقسام الثلاثة الاُولى. والمولويّة المجعولة تتبع في سعة دائرتها وضيقها نفس جعل الجاعل، والمولويّات العرفيّة تجعل فيها المولويّة وحقّ الطاعة في خصوص الأحكام المقطوعة، ولذا لو خالف العبد في غير الأحكام المقطوعة لم يكن للمولى عقابه، فيا ترى هل أنّ المولويّة الذاتيّة الثابتة للّه ـ تعالى ـ كتلك المولويّات المجعولة لدى العرف تختصّ بالأحكام المقطوعة أو لا؟ ومجرّد ثبوت البراءة في تلك المولويّات المجعولة لا يوجب قياس المولويّة الذاتيّة بذلك.

وفي أكبر الظنّ أنّ نكتة اشتباه الأكابر في المقام هي أنّهم لمّا تخيّلوا أنّ المولويّة شيء واحد محدّد لا يقبل التشكيك تغلّب وجدانهم في باب المولويّات العرفيّة المجعولة على وجدانهم في باب المولويّة الحقيقيّة، وأوجب ذلك التباس الأمر في نظرهم الشريف. والصحيح: أنّ العقل العمليّ في باب مولويّته ـ تعالى ـ يحكم بسعة دائرة المولويّة وشمولها للأحكام المظنونة والمشكوكة والموهومة(1).

 


(1) وقد يتراءى للذهن أنّه من الواضح أنّ المولى ـ سبحانه ـ لو لم يصدر أمراً بشيء واحتملنا كون ذلك الشيء مطلوباً له رغم عدم الأمر، لم يجب علينا عقلاً الإتيان به، ولم نستحقّ العقاب على تركه، وليس هذا إلاّ عبارة عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولكن الواقع أنّ هذا قد يكون على أساس أنّ أغراض المولى البالغة في الضعف مرتبة لا تحرّك المولى نحو بيانها لا يحكم العقل بوجوب امتثالها، وهذا غير قاعدة قبح العقاب بلا بيان المفروض جريانها فيما احتملنا صدور الأمر من المولى به، ولكن لم يصلنا الأمر صدفة لضياع الأخبار أو لأيّ سبب آخر. وقد يقول قائل: إذا كان المفهوم وفق المولويّات العرفيّة قبح العقاب بلا بيان لضيق دائرة المولويّة فيها، فتتمّ البراءة لديهم، فلولا منع الشارع عن