المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

57

 

مناشئ الالتزام بالبراءة العقليّة:

وأمّا الناحية الثانية: فقد ذكرت البراءة العقليّة في لسان الأصحاب بتقريبين:

أحدهما: تقريب ساذج ـ ذكره جملة من المحقّقين كالشيخ الأعظم(قدس سره) وغيره ممّن سبقه كشريف العلماء وصاحب الحاشية على المعالم ومن لحقه ـ وهو أنّنا لمّا نلاحظ الموالي والعبيد العرفيّين نرى أنّه لو كان للمولى أمر لم يطّلع عليه العبد ولم يمتثل، فقال له المولى: (لِمَ لمْ تفعل كذا؟) يقول له العبد: (ما علمت بصدور الأمر منك بذلك) فلو قال له المولى: (لِمَ لمْ تحتط؟) يقول له العبد: (ما علمت أنّك أوجبت الاحتياط) ـ فعندئذ على حدّ تعبير المحقّق الشريف(رحمه الله) ـ تنقطع حجّة المولى، وليس للمولى حقّ أن يعاقبه. هذا ما يدركه العقلاء في اُمورهم، وهو المسمّى بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

أقول: كأنّهم فرضوا المولويّة شيئاً محدوداً معيّناً، فلمّا رأوا جريان البراءة في المولويّات الثابتة لدى المجتمعات تخيّلوا أنّها لا تنفّك عن المولويّة، فأجروها بالنسبة للمولى الحقيقيّ أيضاً، مع أنّه لا مجال لمثل هذا القياس؛ لأنّ المولويّة مقولة بالتشكيك، وتفترق مولويّة الله ـ تعالى ـ فرقاً جوهريّاً عن مولويّة الموالي العرفيّة.

وتوضيح المقصود: أنّ المولويّة عبارة عن ثبوت حقّ الطاعة، وهو قد يكون ذاتيّاً ولا يحتاج إلى جعل جاعل، وذلك منحصر في من هو مالكنا وخالقنا، وقد يكون جعليّاً مجعولاً من قِبل المولى الحقيقيّ كمولويّة الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام)، أو من قِبل نفس الأفراد الموَلّى عليهم كمولويّة السلاطين الذين تمّت سلطنتهم على يد نفس الرعيّة وباختيارهم، أو من قِبل نفس هذا المولى جبراً وإكراهاً كمولويّة السلاطين الذين تسلّطوا بالإجبار والإكراه لا برضا الرعيّة ورغبتهم، أو من قِبل