المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

56

المشروط والمعلّق، والمطلق والمنجّز، فليكن ما نحن فيه من هذا القبيل.

قلت: عدم إدراك السابقين لمثل تلك المطالب يكون لأحد وجهين:

الأوّل: دقّة المطلب وعمقه، فتفلسف اجتماع الحكم الظاهريّ والواقعيّ مثلاً ليس إلاّ أمراً دقيقاً يناسب عدم إدراك السابقين له من هذه الجهة، والمفروض أنّ البراءة العقليّة حكم من أحكام العقل العمليّ المدرك للحسن والقبح وأمر بديهيّ، فلا يعقل فيه هذا المنشأ لعدم الإدراك.

والثاني: عدم تصوّرهم لأطراف المطلب والتفاتهم إليها حتّى يدركوا حكماً في المقام، فلم يكونوا قد تصوّروا انقسام الحكم إلى واقعيّ وظاهريّ حتّى يدركوا وجه الجمع بينهما، ولم يكونوا قد تصوّروا: أنّ الحكم مشروطٌ تارةً ومعلّق اُخرى، أو مطلق تارةً ومنجّزٌ اُخرى كي يدركوا الفرق بين المشروط والمعلّق، أو بين المطلق والمنجّز. لكن الالتفات إلى تصوّرات القضيّة فيما نحن فيه كان حاصلاً لهم، فإنّك تراهم تكلّموا في الحظر والإباحة، والشكّ في المصلحة والمفسدة، وأنّ الأصل هل هو البراءة أو الاحتياط، أو هو الحظر أو الإباحة أو التوقّف على اختلاف تعبيراتهم، وما إلى ذلك(1).

فالذي يتلخّص من كلّ هذا أنّ هذه القاعدة من شؤون نفس تطوّر الفكر الاُصوليّ لا من الأحكام العقليّة البديهيّة.



(1) وقد يتّفق أنّ الأمر البديهيّ يقع التشكيك فيه أو الإنكار من قِبل بعض لشبهة حصلت له، كالماركسيّين الذين أنكروا استحالة اجتماع النقيضين لأجل شبهات حصلت لهم إن كانوا حقّاً فاهمين المعنى الذي يقصده القائلون باستحالة اجتماع النقيضين، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل أيضاً، فإنّ القدماء الذين لم يعترفوا بقبح العقاب بلا بيان لم يذكروا أيّ شبهة حول المطلب.