المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

55

خمر، وإنّما من وظيفته أن يقول: الخمر حرام، وقد قال. ثمّ جاء من تعمّق في القاعدة أكثر من ذلك وقال: ليس المراد بالبيان ما هو ظاهره ـ أي: الكلام الصادر من الشارع ـ بل المراد به هو العلم والوصول، فمرجع القاعدة إلى قاعدة قبح العقاب بلا علم وبلا وصول، ولا فرق في ذلك بين الشبهة الموضوعيّة والشبهة الحكميّة.

إذن، فهذه القاعدة بعد أن طرحت في الكتب الاُصوليّة لم تكن واضحة عندهم، بل كان يقع الإشكال في إطلاقها وعمومها. وكان المعيار الارتكازيّ في الإشكال هو ظهور القاعدة، أي: كانوا يتعاملون معها معاملة الدليل اللفظيّ، واستظهار شيء منها، وعلى أساس الاستظهار كانوا يعلمون أنّ لها إطلاقاً أو لا.

إذن، فهذه القاعدة وإن عشنا نحن أهمّيّتها وجلالتها إلاّ أنّها ليست بهذا المستوى من الجلالة في الواقع، وكيف تكون هذه القاعدة من بديهيّات العقل السليم مع أنّها لم تدرك، ولم تذكر من قِبل أحد من العلماء العقلاء إلى أيّام الاُستاذ الوحيد(رحمه الله)، وبعد أن طرحت وادّعيت اُدّعيت بشكل مشوّش ومرتبك، فترى بين حين وآخر يدّعي بعض خروج بعض الموارد عنها، والآخر يدّعي عدم الخروج، كلّ هذا يقتضي أن تكون هذه القاعدة غير بديهيّة، وإنّما هي ـ لو كانت صحيحة ـ نظريّة ثابتة عند بعض الأشخاص دون بعض، وليست كما قال المحقِّق العراقيّ(رحمه الله)بمستوىً لا يتوهّم إنكارها ممّن له أدنى مسكة(1).

إن قلت: كم من المطالب التي لم يدركها المحقِّقون السابقون وأدركها المتأخّرون، كوجوه التوفيق بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ، والفرق بين الواجب



(1) راجع نهاية الأفكار القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 199.