المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

54

(الزبدة) لم يقل أحد بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وإنّما قالوا بالبراءة من باب الظنّ،واعترف بذلك الشيخ الأعظم(قدس سره) في (الرسائل)، فإنّه ذكر: أنّ ظاهر كلمات صاحب (المعالم) والشيخ البهائيّ أنّ أعتبار أصالة البراءة من باب الظنّ، بل تسرّبت هذه الفكرة إلى بعض المحقّقين من العصر الثالث كالمحقّق القمّيّ(رحمه الله) حيث نقل عنه الشيخ الأعظم بعض كلمات توهم بذلك، أو تشعر به.

وقاعدة قبح العقاب بلا بيان إنّما طرحت من قبل الاُستاذ الوحيد(قدس سره) ولدى بعض الممهّدات والإرهاصات لهذه المدرسة، وحتّى بعد أن طرحت هذه القاعدة وقرّبها الشيخ محمّد تقي في حاشيته على المعالم، وشريف العلماء على ما في تقرير بحثه، وبعدهما الشيخ الأعظم نابغة هذا العصر في كتابه كان الاتّجاه إلى فهمها لغويّاً لا إلى فهمها عقليّاً، ولهذا كانوا يشكّكون دائماً في إطلاقها وعدم إطلاقها، ووقع الإشكال من قِبل جملة من المحقّقين في شمول هذه القاعدة لموارد الشبهة المفهوميّة، كما إذا قال المولى: (الغناء حرام) وشكّ في حرمة حداء الإبل من ناحية الشكّ في دائرة المفهوم؛ لأنّ البيان موجود من قِبل الشارع، غاية الأمر أنّه مجمل. وجاء من تعمّق في هذه القاعدة بشكل أكثر، وقال: إنّ البيان هنا ليس موجوداً؛ لأنّ مرادنا من البيان ليس ما هو ظاهر عرفاً من الكلام الدالّ على معنىً في نفسه، بل الكلام الدالّ عند السامع، والمفروض أنّ الكلام لم يدلّ عند السامع. انظروا إلى الأوّلين الذين لم يجروا البراءة في الشبهة المفهوميّة كيف انساقوا مع طبع ظهور اللفظ وكأنّهم عاملوا معها معاملة الدليل اللفظيّ، أو أنّ عقلهم لم يدرك القبح في مثل ذلك، ثمّ جاء آخرون وقالوا: إنّ القاعدة لا تجري في الشبهات الموضوعيّة؛ لأنّ البيان هو ما يكون راجعاً إلى المولى، وما يرجع إلى المولى قد تمّ في المقام، وليس من وظيفة المولى أن يقول مثلاً: هذا خمر، وهذا