المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

53

ثانيهما: ما ذكره في كتابه الآخر من أنّ الفقيه يقوم بعمليّتين: إحداهما: أن يحصر ما هي الأدلّة التي يعتمد عليها الشارع في مقام إيصال الأحكام كالكتاب والسنّة والإجماع. والثانية: أن يحصل له بالفحص القطع بأنّ هذا الحكم المشكوك لم يدلّ عليه أيّ واحد من هذه الأدلّة، وعندئذ يقول: هذا التكليف غير موجود؛ لأنّ التكليف بما لا دلالة عليه من قِبل الشارع تكليف بما لا يطاق، فإن قيل: لعلّ هناك دلالة ولم تصل إلينا؟ قُلنا: هذا خلاف العمليّة الاُولى؛ لأنّنا فرضنا حصر الدلالات.

وفرق هذا الكلام عمّا مضى من كلام ابن زهرة أنّه بناءً على هذا الكلام لو فرض احتمال وجود دلالة اُخرى لم تصل وبطلت العمليّة الاُولى، فلا قبح في التكليف، وظاهر كلام ابن زهرة كان هو دعوى قبح التكليف بما لا طريق لنا إلى العلم به بالفعل. وعلى أيّة حال فهذا ـ كما ترى ـ غير مربوط بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وبعد زمان المحقّق شاع إدراج البراءة في الاستصحاب، وترتّب عليه جعل البراءة من الأدلّة الظنّيّة، حيث إنّ الاستصحاب عندهم دليل ظنّي فتنزّلت البراءة عن كونها دليلاً قطعيّاً على الحكم ـ كما كان يعتقده ابن ادريس ـ إلى كونها دليلاً ظنّيّاً عليه، فحجّيّة البراءة إنّما هي من باب إفادتها الظنّ كما صرّح بذلك صاحب المعالم والشيخ البهائيّ في (الزبدة)(1)، فإلى أيّام صاحب (المعالم) وصاحب



(1) لم أرَ ذلك بحسب فحصي الناقص في الزبدة. أمّا ما رأيته في المعالم فهو ما جاء في نقله لأدلّة القائلين بحجّيّة الاستصحاب، حيث نقل الدليل الرابع من أدلّتهم وهو: (أنّ العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعيّة على ما تقتضيه البراءة الأصليّة، ولا معنى للاستصحاب إلاّ هذا).