المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

52

وهذا الكلام من الشيخ الطوسيّ الذي يضيفه إلى شيخه وهو المفيد (رضوان الله عليهما) واضح في خلاف فكرة قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وأمّا ابن زهرة فبعد مئة سنة بعد الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) ذكر في (الغنية) الحكم بالبراءة العقليّة لكن لا بمعنى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، بل من باب قبح التكليف بما لا يطاق، ومن الواضح أنّ هذا أجنبيّ عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولهذا قيل عليه: لماذا لا يطاق التكليف بغير المعلوم؟! بل يطاق امتثاله ولو بالاحتياط، وقد تعرّض الشيخ الأعظم(قدس سره)لكلام ابن زهرة ووجّهه بأنّ مقصوده من التكليف بما لا يطاق، التكليف بما لا يطاق امتثاله بقصد الامتثال؛ لأنّه مع الشكّ لا يتحقّق قصد الامتثال(1). هذا ما وجّه به الشيخ الأعظم كلام ابن زهرة. فكأنّ ابن زهرة كان يعتقد بقبح التكليف بما لا يطاق امتثاله بقصد الامتثال. وعلى أيّة حال فكلامه ـ كما ترى ـ غير مربوط بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وأمّا المحقّق الذي هو من تلامذة تلامذة من كان معاصراً لابن زهرة وهو ابن إدريس، فقرّب البراءة ببيانين:

أحدهما: ما ذكره في أحد كتابيه(2): من أنّ البراءة عبارة عن استصحاب حال العقل، حيث إنّ الإنسان بحسب حالته السابقة كان بريء الذمّة فيستصحب هذه البراءة حتّى ترتفع بدليل. وجرى هذا الكلام في كلام كثير ممّن تأخّر عن المحقّق، وشاع إرجاع البراءة إلى الاستصحاب، وكانوا يقولون بحكم العقل بالاستصحاب بلحاظ كاشفيّة الحالة السابقة في نظرهم لا بلحاظ باب الحسن والقبح، فالبراءة عندهم غير مربوطة بالمعنى الذي نتكلّم عنه من قبح العقاب بلا بيان.



(1) الفرائد، ص 204 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة (رحمت الله).

(2) أي: المعارج والمعتبر.