المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

51

 

تأريخ البراءة العقليّة:

أمّا الناحية الاُولى: فالبراءة العقليّة لا نعرف لها عيناً ولا أثراً قبل الشيخ المفيد(قدس سره). نعم، الصدوق(رحمه الله) صرّح بأنّ الأصل هو الإباحة، لكن كلامه قابل للانطباق على الإباحة الثابتة بالنصوص والروايات، ولا يعلم ولا يظنّ بأن يكون نظره إلى قاعدة عقليّة في المقام.

وأمّا الشيخ المفيد والشيخ الطوسيّ(قدس سرهما) فهما ذهبا إلى عكس هذه القاعدة، وذلك في مسألة الحظر والإباحة، حيث إنّ هناك مسألة في الاُصول القديم وانقطع عنوانها بعد الرسائل ـ وهي مسألة الحظر والإباحة ـ وقد ذهب علماء الاُصول القائلون بالتحسين والتقبيح العقليين، بأنّ العقل تارة يحكم بقبح الشيء بمستوىً شديد وهو التحريم العقليّ، أو بمستوىً خفيف وهو الكراهة، أو بحسنه الشديد وهو الوجوب، أو الخفيف وهو الاستحباب. وأمّا إذا لم يدرك العقل وجود مصلحة ولا مفسدة ولم يتبيّن له شيء يقتضي حسنه ولا قبحه، فهل يحكم العقل هنا بالقبح وهو الحظر، أو عدم القبح وهو الإباحة؟

وقع الخلاف في ذلك، وذهب الشيخ الطوسيّ، وكذا الشيخ المفيد (على ما في العدّة) إلى التوقّف، بمعنى أنّ العقل لا يحكم بالثبوت ولا بالنفي؛ لأنّه شاكّ فلا موجب لحكمه بأحد الطرفين. وفرّع الشيخ الطوسيّ في (العدّة) على التوقّف وجوب الاحتياط بحكم العقل؛ لأنّ الإقدام على ما لا يؤمن المحذور والمفسدة فيه قبيح كالإقدام على ما يعلم بوجود المفسدة فيه. ففي مقام الحكم وإن كان العقل يتوقّف ولكن في مقام العمل يلزم المكلّف بالاحتياط، ثمّ يقول: وهذه القاعدة ـ أي: قاعدة وجوب الاحتياط بحكم العقل ـ لا نرفع اليد عنها إلاّ بما ثبت في الشرع من النصّ القائل عنهم(عليهم السلام): (إنّ كلّ شيء حلال حتّى يأتي فيه النهي).