المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

50

الالتزام بقانون قبح العقاب بلا بيان يجب أن يفسّر بعدم ثبوت حقّ المولويّة بلا بيان، والتفكير في هذه المطالب يجب أن يبدأ من الالتفات إلى دائرة مولويّة المولى سعة وضيقاً.

والشيء الذي ندركه بعقلنا العمليّ هو أنّ الله ـ تعالى ـ مولانا في التكاليف المقطوعة والمظنونة والمشكوكة والموهومة، فله حقّ الطاعة حتّى مع عدم العلم لو لم يثبت عندنا الترخيص من قِبله ورضاه بفوات التكاليف الواقعيّة في ظرف الشكّ بالنحو الذي فصّلناه في الترخيص الظاهريّ، وبهذا ننتهي إلى أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا أساس لها؛ لأنّ العقاب يكون عقاباً على حقّه، وليس العقاب على الحقّ قبيحاً.

وبما أنّ إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان يبدو في هذا الزمان غريباً؛ لأنّ هذه القاعدة لقّنت تلقيناً شديداً ومتواصلاً في الكتب الدراسيّة وغيرها منذ أكثر منمئة سنة إلى يومنا هذا، فلهذا لابدّ لنا من التغلّب على هذا التركّز الذهنيّ الموجود للقاعدة لأجل رفع الاستيحاش من إنكارها، وبيان أنّها ليست من البديهيّات، وليست من مدركات العقل الفطريّ بل إنّما هي من منتجات علم الاُصول. فنتكلّم في هذه القاعدة من ناحيتين:

الاُولى: من الناحية التأريخيّة، وأنّ هذه القاعدة هل هي من القواعد التي أدركها العلماء في كلّ عصر وزمان بالنحو المفهوم في هذا العصر، أو أنّها بهذا النحو لم تكن موجودة في ذهن العلماء قبل سبعمئة سنة أو أكثر، ونبيّن أنّ هذه القاعدة مستحدثة، اختلف محدثوها في حدودها وشؤونها بنحو يدلّ على أنّها أبعد ما تكون عن الفطريّة والبداهة.

والثانية: من الناحية الإثباتيّة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبيان المنشأ لالتزام الأكابر بهذه القاعدة، وحلّ هذا المنشأ حلاًّ صناعيّاً.