المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

493

ليس عباديّاً، هذا إذا كان الضدّان لهما ثالث. وأمّا إن لم يكن لهما ثالث فلا يصلحذلك داعياً إلى الجامع؛ لأنّ الجامع ضروريّ الوجود.

وأمّا في الفرض الثالث: فلو اقترن الداعي القربيّ في أحد الضدّين العباديّين بداع دنيويّ فرجّحه العبد على الضدّ الآخر، فهنا لا إشكال في عباديّة الجامع المدعوّ إليه بداع متحصّل من الداعيين القربيّين في الضدّين إن كان لهما ثالث، فلم يكن الجامع ضروريّ الثبوت، وإنّما الكلام في أنّ هذا الضدّ بخصوصيّته هل يقع عباديّاً أو لا يقع عباديّاً؛ لأنّ الداعي القربيّ كان ناقصاً في التأثير، ولم يكن وحده صالحاً للتأثير، فأثّر بانضمام الداعي الدنيويّ إليه، فحاله حال الداعي القربيّ في الفرض الثاني.

والصحيح هو: أنّه لمّا كانت ناقصيّة هذا الداعي القربيّ إنّما نشأت من المزاحمة بداع قربيّ لا تضرّ ذلك بعباديّة العمل، فإنّ دليل اشتراط الداعيّ القربيّ في العمل العباديّ لا يدلّ على اشتراط أزيد من ذلك.

وإذا عرفت هذا قلنا في المقام: إنّه يوجد فيما نحن فيه داعيان إلهيّان: أحدهما احتمال الوجوب الداعي إلى الفعل، والآخر احتمال الحرمة الداعي إلى الترك، فإذا فرضنا أنّ كلاًّ من الداعيين علّة تامّة في نفسه لتحريك العبد، لكنّه مبتلىً بالمزاحمة بمثله، فعندئذ إن لم يوجد مرجّح آخر لأحد الطرفين فلا محالة يقع الترك من العبد؛ إذ يكفي في وقوع الترك عدم الداعي إلى الفعل، وإذا وقع الفعل منه باعتبار انضمام داع دنيويّ إلى ذاك الداعي القربيّ كان ذلك داخلاً في الفرض الثالث، وقد ذكرنا فيه عدم مضرّيّة هذه المزاحمة بوقوع الفعل عباديّاً، إذن فهو قادر على إتيان الفعل عباديّاً فيؤثّر العلم الإجماليّ بمقدار حرمة المخالفة القطعيّة.

إن قلت: لعلّه لم يوجد له داع آخر يضمّه إلى الداعي الإلهيّ في جانب الوجود، فهو عندئذ غير قادر على إتيان الفعل بداعي القربة.