المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

491

والصحيح: أنّ هنا غرضين محتملين: أحدهما مقطوع السقوط عن العبد للقطع بالعجز، والآخر يقطع بعدم العجز عنه، لكنّه بالنظر إليه وحده مشكوك بالشكّ البدويّ.

فتحصّل إلى هنا: أنّ هذا الإشكال ـ وهو إشكال جريان البراءة في مورد دوران الأمر بين المحذورين، وكون أحدهما تعبّديّاً ـ مركّز على جميع المباني، ومن هنا تتحقّق المعضلة، حيث إنّنا لو قلنا بأنّ الاضطرار هنا يكون إلى أحد الأطراف لا على التعيين، فيكون العلم الإجماليّ منجّزاً، فقد عرفت أنّ البرهان العقليّ على خلافنا، ولو التزمنا بعدم التنجيز رأساً وجواز المخالفة القطعيّة كان ذلك مستبعداً بحسب الذوق المتشرعيّ، وإن كان لا حجّيّة لهذا الاستبعاد.

والتحقيق: أنّ هذه المعضلة لا جواب عنها اُصوليّاً، ولكن يمكن حلّها فقهيّاً، وذلك بدعوى التوسعة في دائرة القربة المعتبرة في العبادات هنا.

وتوضيح المقصود: أنّه لا ينبغي الإشكال فقهيّاً في أنّه لا يعتبر كون داعي القربة هو المحرّك الفعليّ للعبد نحو العبادة، بل تكفي صلاحيّته للمحرّكيّة بالفعل، بمعنى أنّه لو اجتمع للعبد داعيان إلى عمل عباديّ: أحدهما داعي القربة، والآخر داع دنيويّ بحيث كان كلّ منهما في نفسه علّة تامّة للتحريك وقع عمله عباديّاً، فإنّه وإن لم يكن داعي القربة هو المحرّك بالفعل، بل المحرّك مجموع الداعيين؛ إذ مهما اجتمعت علّتان تامّتان على معلول واحد صار كلّ واحد منهما ـ لا محالة ـ جزء العلّة، لكنّه صالح للداعويّة والمحرّكيّة بالفعل؛ إذ هو في نفسه علّة تامّة للتحريك، ولكنّ الإشكال فيما لو سقط الداعي القربيّ عن التأثير بالمزاحمة بداع آخر قربيّ. بيان ذلك: أنّ الداعي القربيّ نحو عبادة تارةً يفرض عدم مزاحمته بداع آخر نحو أحد أضداده، واُخرى تفرض مزاحمته بداع آخر دنيويّ نحو أحد أضداده، وثالثة تفرض مزاحمته بداع آخر قربيّ نحو أحد أضداده:

أمّا في الفرض الأوّل: فلا إشكال في جعل هذا الداعي العمل عباديّاً وإن فرض