المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

337

بعد الفحص والظفر بالبراءة وعدم الاحتياط، فوجوب الاحتياط واقعاً يستلزم هلاك الكثرة الكاثرة في ترك الاحتياط، فالإمام(عليه السلام) أراد أن يبيّن وجوب الاحتياط لغير هذه الكثرة الكاثرة بلسان بيان لازمه من ترتّب العقاب؛ لأنّ هذا أبلغ في مقام بيان الزجر والتخويف، وبيان للتكليف متضمّن ـ في نفس الوقت ـ للوعظ. وعين هذا الجواب يأتي في باب بيان الحكم الواقعيّ، حيث الكثرة الكاثرة في ذاك الوقت أمّا أنّهم مطّلعون على ذلك الحكم، أو أنّ شبهتهم تكون من باب الشبهة قبل الفحص، فذلك الحكم يستلزم عقابهم على فرض الترك، ولولا ذلك الحكم لما ترتّب العقاب عليهم في الترك؛ إذ الفاحص يظفر بعدم الحكم، فيبيّن الإمام(عليه السلام) الحكم لغير الكثرة الكاثرة بلسان بيان لازمه من العقاب.

وأمّا بناءً على فرضه قضيّة حقيقيّة فأيضاً لا تأتي هذه الشبهة، ولا يفرّق أيضاً في ذلك بين بيان الحكم الظاهريّ كما هو الحال فيما نحن فيه وبيان الحكم الواقعيّ، وتوضيح ذلك:

إنّ القضيّة الحقيقيّة المبيّنة بلسان ترتّب العقاب حينما تستعمل يكون فيها قيد مستتر ـ بمناسبات الحكم والموضوع في الارتكاز العرفيّ ـ لو أردنا أن نبرزه لكان هكذا: من شرب الخمر مثلاً ـ بعد أن وصله واقع حكم الخمر ـ دخل النار، أو من اقتحم الشبهة ـ بعد أن وصله حكم الشبهة ـ عوقب، فنستكشف من هذه القضيّة الشرطيّة أنّ واقع حكم الخمر، أو حكم الشبهة هو الاجتناب، وإلاّ لكذبت هذه القضيّة الشرطيّة.

ومقصودنا ممّا شرحناه ليست هي البرهنة على أنّ بيان الحكم بلسان بيان العقاب بيان عرفيّ وصحيح، بل هذا ثابت بالفهم العرفيّ لنا، ولا نشكّ فيه، وبعد أن ثبتت عرفيّة البيان أردنا رفع الشبهة بالتقريب الفنّيّ، وذلك يكون بما عرفته من أحد التقريبين، وعرفيّة بيان الحكم بلسان بيان ترتّب العقاب كاشفة عن صحّة أحد هذين التقريبين.