المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

328

وبالموازين العقلائيّة، فالحديث يأمر بالأوّل وينهى عن الثاني، وهذا أمر متّفق عليه، ولا علاقة لذلك بما نحن فيه.

الوجه الثاني: أنّنا حتّى لو سلّمنا أنّ الوقوف والاقتحام بمعنى الإحجام والإقدام لابدّ من تدقيق النظر في معنى الشبهة، فقد اعتدنا ـ بحسب الاصطلاح الاُصوليّ ـ أن نسمّي الشكّ شبهة، فنقول: شبهة موضوعيّة، وشبهة حكميّة، وما إلى ذلك، لكن يجب في مقام فهم هذا النصّ أن نستقرأ معنى الشبهة في الأحاديث الواردة في مثل هذا المورد، فنرى أنّه ماذا كان يراد بها في ذلك الظرف متجرّدين عن الاصطلاح الاُصوليّ في هذه المسألة.

والشبهة بحسب الأصل في معناها اللغويّ يراد بها المثل والمحاكي والنظير، وإطلاق مشتقّات هذه المادّة على باب الشكّ والاشتباه يكون من باب أنّ المماثلة والمشابهة تؤدّي إلى التحيّر والشكّ، إذن فمن المحتمل قويّاً أن يكون المعنى الأصليّ للشبهة منحصراً في المثل والمشابهة، هذا من الناحية اللغويّة.

وأمّا من ناحية الأخبار، ففي بعض أحاديث أمير المؤمنين(عليه السلام)فسّرت الشبهة، فقال(عليه السلام)في وصيّة لابنه الحسن(عليه السلام): «وإنّما سمّيت الشبهة شبهة لأنّها تشبه الحقّ، فأمّا أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى، وأمّا أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال، ودليلهم العمى»(1)، وهذه الرواية تؤيّد ما احتملناه قويّاً من ناحية اللغة من أنّ الشبهة بمعنى المشابهة والمثل، والذي نستشعره من هذه الرواية وأمثالها أنّ الشبهة عبارة عن مطلب يشبه ـ بحسب ظاهره وصورته ـ الحقّ والواقع، إلاّ أنّ هذا الشبه شبه صوريّ وظاهريّ، وليس هو الحقّ بعينه وإن كان كأنّه حقّ بحسب ما يتبادر إلى الذهن باعتبار أنّ بعض مظاهر الحقّ موجودة فيه،



(1) الوسائل، ج 18، ب 12 من صفات القاضي، ح 20، أواخر الصفحة 117.