المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

22


الاستصحاب من الاستدلال على عدم كون نظر المشرّع في حجّيّة خبر الثقة إلى الترجيح بقوّة المحتمل، بأنّه لم يؤخذ في دليل حجّيّة الخبر سنخ معيّن من المحتمل من حلّ أو حرمة، أو أيّ شيء آخر. وهذا ـ كما ترى ـ لا ينسجم إلاّ مع إلحاق المرجّح الكمّيّ للصدق بقوّة الاحتمال دون قوّة المحتمل، وإلاّ فعدم أخذ سنخ معيّن من المحتمل في دليل حجّيّة الخبر لا يدلّ على أنّ الملحوظ فيها قوّة الاحتمال دون قوّة المحتمل؛ إذ من المعقول افتراض أنّه إنّما جعل خبر الثقة حجّة بقطع النظر عن كون المفاد هو الحلّ أو الحرمة أو أيّ شيء آخر، لما في خبر الثقة من غلبة كمّيّة الأفراد الصادقة منها وأكثريّتها من الأفراد الكاذبة.

ولا يخفى أنّنا لو جعلنا المقياس في أماريّة الأمارة وحجّيّة مثبتاتها كون ملاك الحجّيّة أقوائيّة الاحتمال بالمعنى المقابل للترجيح الكمّيّ بغلبة الصدق، ورد النقض على ذلك بأنّه لو ثبتت حجّيّة لوازم خبر الثقة ببيان أنّ تمام الملاك في حجّيّته كان هو الكشف، وهو ثابت في اللوازم بنفس درجة ثبوته في الدلالة المطابقيّة، للزمت من ذلك حجّيّة كلّ ظنّ يساوي الظنّ الناشئ من خبر الثقة، أو كلّ أمارة تساوي خبر الثقة في الكشف؛ لأنّ الملاك للحجّيّة كان هو الكشف الموجود هنا أيضاً. أمّا إذا ادخلنا في الحساب المرجّح الكمّيّ في الصدق فقد انتفى هذا النقض؛ إذ يجاب عليه عندئذ، بأنّ من المحتمل أن يكون الحساب الكمّيّ في الشهرات مثلاً، بعد جعل الحجّيّة لخبر الثقة قد اختلف عنه لولا حجّيّة خبر الثقة، فصحيح: أنّ الشهرة كخبر الثقة تصيب الواقع في ثمانين بالمئة من مواردها مثلاً، لكن بعد جعل الحجّيّة لخبر الواحد قد انخفظت بسببها الأغراض الكامنة في الشهرات المطابقة لأخبار الثقات، ولم تبق عدا الأغراض الكامنة في موارد الشهرات التي لم يرد على طبقها