المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

18

ترخيصاً، ويتصوّر بشأنه ـ إضافة إلى ما مضى من المرجّح المحتمليّ كمّاً وكيفاً ـ مرجّح آخر: وهو المرجّح الاحتماليّ، فإنّ نسبة الشبهة إلى الجانبين قد تكون على حدّ سواء، وقد لا تكون على حدّ سواء، ومن المعلوم أنّ ذلك دخيل في التحريك نحو الأغراض، فالإنسان لو دار أمره بين غرضين أحدهما أهمّ، ولكن احتمال الآخر كان أقوى بكثير من احتمال الغرض الأهمّ، فقد تراه يقدّم جانب الغرض الآخر رغم أهمّيّة مزاحمه؛ وذلك لقوّة الاحتمال في جانبه، وكذلك نفترض فيما نحن فيه: أنّه وإن كانت الأغراض الترخيصيّة في نفسها في نظر المولى أهمّ من الأغراض اللزوميّة لكن النسبة الاحتماليّة تتغيّر بقيام خبر الثقة على حكم إلزاميّ، فقد تتغيّر النتيجة؛ إذ يصبح جانب الإلزام أرجح من جانب الترخيص بالمرجّح الاحتماليّ؛ إذ خبر الثقة أقرب إلى الصدق منه إلى الكذب، وهذا المرجّح ثابت. ولو فرض أنّه لم تكن هنا إلاّ شبهة واحدة، أو كانت الشبهات في الحكم الواقعيّ متماثلة، فتحفّظاً على هذه النكتة يجعل المولى خبر الثقة حجة، وتترتب على هذا حجّيّة مثبتاته بالنحو الذي يأتي تحقيقه في مبحث مثبتات الأمارات والاُصول إن شاء الله.

ومولانا ـ سبحانه وتعالى ـ وإن كان عالماً بالغيب، لكن قد يفترض أنّ مصلحة مّا اقتضت أن يجعل تشريعه وفق حالة مولىً لا يعلم الغيب.

والدليل على إعمال المرجّح الاحتماليّ في خبر الثقة هو ظاهر دليل الحجّيّة، فإنّ قوله مثلاً: «اسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون» ظاهر في أنّ موضوع الحجّيّة هو الوثاقة والأمانة الموجبة لقوّة الاحتمال، بحيث لو لم تكن في البين عدا شبهة واحدة كانت الوظيفة فيها هي قبول خبر الثقة لوثاقته وأقربيّة قوله إلى الواقع(1).



(1) لا يخفى أنّ ما أفاده ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في المقام من أنّ مقياس أماريّة