المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

16

كذبه وأرجح منه عبّدنا بجانب الصدق، ولم يجعلنا مخيّرين بينه وبين نقيضه، ولم يعبّدنا بجانب الكذب، فكلّ ما كانت حجّيّته ناشئة من الترجيح من قبل المحتمل كان أصلاً، وكلّ ما كانت حجّيّته ناشئة من الترجيح من قبل الاحتمال كان أمارة، ولا فرق في ذلك بين أن يبيّن الترجيح بلسان جعل العلم، أو جعل الاحتياط، أو جعل الحكم الظاهريّ، أو أيّ لسان آخر.

نعم، هناك مناسبة عرفيّة بين بعض البيانات وبعض المبيّنات، فالتعبير بجعل العلم أو الكاشفيّة مثلاً يناسب الترجيح بقوّة الاحتمال؛ لأنّ هذا ترجيح بنكتة الكشف، بينما لا يناسب هذا التعبير الترجيح الناشئ من قوّة المحتمل، فلو قال مثلاً: (متى احتملت الوجوب فقد جعلت هذا الاحتمال علماً في حقّك، أو ليس لك التشكيك في الوجوب) صحّ ذلك، ولكن لم يكن في هذا التعبير ذاك الجمال اللغويّ، وتلك الحلاوة التعبيريّة الموجودة في مثل قوله: (ليس لأحد التشكيك فيما يروي عنّا ثقاتنا).

وليس مقصودنا من الترجيح في جانب المحتمل هو الترجيح الكيفيّ فحسب، بل قد يكون الترجيح بلحاظ الكمّ. ولا ينبغي الخلط بين الترجيح بأقوائيّة المحتمل بلحاظ الكمّ، والترجيح بأقوائيّة الاحتمال. وتوضيح ذلك:

أنّنا لو فرضنا أنّ المولى عالم بالغيب، وبان على إعمال علمه الغيبيّ في تشريعه للحكم الظاهريّ، فهنا لا يتصور فرض إعمال الترجيح بقوّة الاحتمال، وإنّما الذي يتصوّر هو الترجيح بقوّة المحتمل كمّاً أو كيفاً، فلو كان المحتمل لدينا المعلوم لدى المولى دائماً هو الإلزام، أو دائماً هو الترخيص، أو لم تكن لدينا عدا شبهة واحدة، والحكم الواقعيّ فيها عند الله هو الإلزام، أو هو الترخيص، ولم يرَ المولى من المصلحة إعلامنا بالواقع، وقرّر جعل الحكم الظاهريّ لنا، وكان الحكم الظاهريّ طريقيّاً صرفاً، فهنا لا يبتلي المولى أصلاً بالتزاحم بين أغراضه في الحفظ، بل