المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

97

حصل بالتدريج فهو من الاُمور الاعتياديّة المتعارفة. مثلاً قد نفرض أنّ السيرة في زمن الإمام(عليه السلام) كانت على الجهر في صلاة ظهر الجمعة لوجوبه مثلاً، ولكن ورد من الإمام(عليه السلام)خبر ظاهر في عدم الوجوب ولم يكن ظاهره مراداً، وبعد مضيّ مدّة على تلك السيرة رأى أحد العلماء الخبر الدالّ على عدم الوجوب، وقال: إنّ السيرة القائمة على الجهر لا تدلّ على الوجوب لملائمتها للاستحباب، فأفتى بجواز الإخفات، وتبعه مقلّدوه في ذلك، واختار كثير منهم الإخفات عملاً لسهولته مثلاً، أو من باب اختيار أحد فردي التخيير، أو لأيّ داع من الدواعي الاتّفاقيّة وغيرها. ثُمّ كثر المخفتون اجتهاداً وتقليداً بالتدريج، وبعد مضيّ فترة من الزمن استفاد أحد العلماء من الجمع بين الأخبار عدم استحباب الجهر ومساواته للإخفات، فسبّب ذلك زيادة المخفتين، وكانوا يزدادون يوماً بعد يوم إلى أن جاء من العلماء من استفاد من الجمع بين الأخبار وعلاج المعارضة الموجودة فيما بينها وجوب الإخفات، وأوجب هذا إقبال الناس إلى الإخفات إلى أن استقرّت سيرة المتشرّعة طرّاً على الإخفات. فهذه السيرة لا تدلّ على ثبوت مثلها في زمن الإمام، وبالتالي على جواز الإخفات أصلاً. ولا غرابة في مثل هذا الانقلاب التدريجيّ وتبدّل السيرة بالتدريج إلى سيرة اُخرى نقيضها، بل قد اطّلعنا على وقوع مثل ذلك في الفقه، وذلك في مسألة نزح ماء البئر؛ إذ كانت السيرة على ذلك عند القدماء، وانقلبت السيرة بالتدريج إلى السيرة على نقيض ذلك، فليكن مثل الإخفات في صلاة ظهر الجمعة من هذا القبيل.

وثانياً: إنّه لو سلّمنا غرابة انقلاب السيرة إلى ضدّها قلنا: من الممكن أنّه لم تكن في زمن الإمام(عليه السلام)سيرة قائمة على أحد الطرفين، بل كان الحكم مختلفاً فيه، وبعد ذلك استظهر العلماء من الأخبار أحد الطرفين، وتبعهم الناس وحصلت السيرة كما هو الواقع في الإخفات في صلاة ظهر الجمعة على ما يظهر من بعض الأخبار، حيث يقول فيه السائل للإمام(عليه السلام): (إنّ بعض أصحابنا يقول بالجهر