المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

96

رأينا سيرة المتشرّعة اليوم على الإخفات في صلاة ظهر الجمعة نعلم أنّها مأخوذة من الأجيال السابقة إلى زمان الإمام(عليه السلام)، ولو كانت السيرة في زمانهم على الجهر ثُمّ انقلبت إلى ضدّها لكان ذلك من الغرائب، ولكان ممّا يتناقل بين الناس.

ويرد عليه: إنّ ما ذكر: من الحدس بأنّ هذه السيرة العقلائيّة ناشئة من القريحة العامّة في تمام العقلاء، غير تامّ؛ وذلك لأنّه كما تكون بين الأجيال الحاضرة والأجيال الماضية جهة اشتراك كذلك تكون بينهما جهة امتياز في ظروفهم ومعايشهم وحاجاتهم وخصوصيّاتهم الاجتماعيّة، فكما يحتمل أن تكون السيرة ناشئة من جهة الاشتراك كذلك يحتمل كونها ناشئة من جهة الامتياز(1).

وأمّا ما ذكر: من استبعاد انقلاب السيرة خصوصاً مع عدم وصول أيّ نقل إلينا لذلك رغم غرابته، فيرد عليه:

أوّلاً: إنّ هذا الانقلاب إنّما يكون غريباً لو حصل بين عشيّة وضحاها، أمّا إذا


(1) لا يخفى أنّ السيرة العقلائيّة كثيراً مّا يمكن لنا بما نحن عقلاء أن نحدس منشأها وأساسها، فإذا حدسنا المنشأ والأساس ورأيناه من الجهات المشتركة، أي: ممّا لا يحتمل وقوع تغيّر فيه بلحاظ الفوارق الحاصلة بين الأجيال بسبب مرور الزمان، ثبت أنّ السيرة العقلائيّة كانت محقّقة في زمان الإمام(عليه السلام)، مثلاً بالنسبة للعمل بخبر الثقة: إن ثبتت في زماننا سيرة عقلائيّة عليه فهي بسبب أنّ درجة كشفه النوعيّ عن الواقع إذا قيست بدرجة اهتمام العقلاء في الغالب بأغراضهم ناسبت الالتزام بالعمل بخبر الثقة. ونحن لا نحتمل اختلاف زمان الأئمّة(عليهم السلام) عن زماننا في ذلك، وكذلك بالنسبة لقيام السيرة العقلائيّة على العمل بالظهور القائمة على أساس عدم وجود طريق آخر أفضل منه لتنظيم التفاهمات وتناسب الالتزام به لدرجة الاهتمام بالأغراض لا نحتمل الفرق في ذلك بين زماننا وزمان المعصوم(عليه السلام)، وهذا في الحقيقة طريق سادس لكشف السيرة في زمان المعصوم غير الطرق الخمسة التي بيّنها رضوان الله عليه.