المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

91

هذين القسمين لا يمنعنا عن هذا التقسيم بعد أن كان ذلك مؤثّراً على النتيجة من ناحية استنباط الحكم الشرعيّ على بعض الوجوه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ثُمّ إنّ موارد القسم الأوّل في الفقه كثيرة، منها مسألة التملّك بالحيازة. فالسيرة العقلائيّة قامت على أنّ من حاز شيئاً ملك التصرّف فيه كما يشاء ولا يعارضه أحد في سلطانه المستقلّ عن ذلك؛ لنكتة عامّة ثابتة في أذهانهم ولو ارتكازاً كمصلحة الاقتصاد الاجتماعيّ مثلاً. وتطبيق القسم الأوّل على الموارد الفقهيّة واضح لا غبار عليه.

وإنّما الكلام في تطبيقه على ما يقصد في الاُصول إثباته بالسيرة من الحجّيّة والتنجّز والتعذير. فإن سلّمنا في هذا الباب بما هو المشهور(1): من أنّ الحجّيّة إنّما تكون بجعل إنشاء ظاهريّ ناشئ من ملاك في نفس الإنشاء، أمكن إدراج ذلك في القسم الأوّل بدعوى أنّ العقلاء بقريحتهم العامّة يدركون ولو ارتكازاً مصلحة اقتصاديّة اجتماعيّة في نفس هذا الإنشاء مثلاً.

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح: من أنّ الحكم الظاهريّ بعد فرض عدم السببيّة شغله تعيين درجة اهتمام المولى بالأغراض الواقعيّة، فمن الواضح عدم إمكان إدراج ذلك من جميع جهاته في القسم الأوّل؛ لأنّ السيرة عندئذ تكون مرتكزة على أساس نكتتين ترجع إحداهما إلى المدرك بالقريحة العامّة للعقلاء، والاُخرى إلى القسم الثاني. ولنفترض ـ مثلاً ـ لتوضيح المطلب أنّ خبر الثقة يطابق الواقع بالمئة ثمانين ويخالفها بالمئة عشرين، وقامت السيرة العقلائيّة على أنّ كلّ من


(1) قال رضوان الله عليه: إنّنا حينما نطلق كلمة المشهور لا نقصد كون القائلين به أكثر عدداً من القائلين بخلافه، وإنّما المقصود القول المتعارف في هذا اليوم المغاير لما نتبنّاه.