المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

88

وأمّا الناحية الاُولى ـ وهي مخالفة الأدلّة والقواعد لتلك الحالة النفسيّة ـ فكانوا فارغين عنها أيضاً سابقاً؛ لأنّ أدلّتهم كانت بنحو تتّسق مع المسلّمات والمشهورات بين الأصحاب؛ وذلك لما كان يقوله جملة منهم من حجّيّة الإجماع المنقول، وجملة منهم من حجّيّة الشهرة، وجملة منهم من جبر الخبر ووهنه بعمل الأصحاب وإعراضهم، بل تعمّقوا في هذا المضمار أكثر من ذلك فقال بعضهم بانجبار الدلالة أيضاً بعمل الأصحاب. ويوجد مثل ذلك في كلمات الشيخ الأعظم(قدس سره) مع أنّه مؤسّس صناعة الاُصول الموجودة الآن بأيدينا(1)، فقد يقول مثلاً: لعلّ هذا الحديث دلالته منجبرة بعمل الأصحاب. وقد يقال: إنّ إطلاق دليل القرعة إنّما نعمل به في مورد عمل به الأصحاب، ونحو ذلك ممّا يوجد في كلماتهم. وهذه المباني كانت تدفع عنهم محذور الوقوع في مخالفة تلك الحالة النفسيّة.

ولكن المتأخّرين من الأصحاب(قدس سرهم) شرعوا بالتدريج في هدم هذه المباني، فكان هدم بعض تلك المباني من قبل الشيخ الأعظم(2) مثلاً، سلّماً لوصول المتأخّرين عنه إلى آخر ما يقتضيه هذا المسلك: من هدم تمام تلك المباني؛ إذ كلّها كانت هواء في شبك، وكان التفطّن إلى بطلان بعضها مستدعياً للتفطّن بالتدريج إلى بطلان ما يشابهه. وكأنّ السيّد الاُستاذ من أوائل من بنى على عدم انجبار الخبر ووهنه بالعمل والإعراض.

وقد كانوا في أوائل أيّام الشروع في إبطال هذه المباني يبطلون هذه المباني في الاُصول ويتمسّكون بها في الفروع؛ ولذا كان يشكل عليهم بأنّ الإجماع المنقول


(1) قد عدل اُستاذي الشهيد(رحمه الله) عند تأليفه لكتاب المعالم الجديدة عن القول بأنّ الشيخ الأعظم(رحمه الله) هو مؤسّس الاُصول بمرحلته المألوفة اليوم. واعتقد أنّ دور التأسيس للوحيد البهبهانيّ(رحمه الله).

(2) أو الوحيد البهبهانيّ(رحمه الله).