المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

87

الإجماع، فالظاهر أنّ مقصودهم بذلك دعوى ما هو أقوى من الإجماع، وهو: أنّ الالتزام بذاك الأمر يستلزم الالتزام بعدّة اُمور يكون الالتزام بمجموعها خلاف الضرورة الفقهيّة والمسلّمات عند الأصحاب، وخلاف ما هو مقطوع به لغاية وضوحه، ولا يمكن التفصيل بين بعض تلك الاُمور وبعض؛ لأنّ كلّها من واد واحد، ونسبة الدليل إليها على حدٍّ سواء، فنستكشف من ذلك إجمالاً بطلان ذاك الدليل وظهور خلافه عند الأصحاب بنحو يعدّ ذلك فقهاً جديداً.

وكأنّ هذه الحالة ـ أعني: حالة رفض مخالفة المسلّمات عند الأصحاب ـ موجودة في نفوس علماء العامّة أيضاً بالنسبة لمسلّمات عصر الصحابة مثلاً، فيرون مخالفة ما كان مسلّماً في عصر الصحابة شيئاً لا يقبله الطبع.

ومن هنا يقع الفقيه في حرج عند ما تقع المنافاة بين هذه الحالة النفسيّة له، ومقتضى الأدلّة والقواعد.

وكأنّ ما صدر من العامّة من سدّ باب الاجتهاد وحصره في دائرة علمائهم الأربعة وبعض تلامذتهم كان الدافع لهم إليه في الواقع هذه الحالة النفسيّة الكامنة في نفوسهم، حيث إنّ سدّ باب الاجتهاد وحصره في تلك الدائرة يعالج لهم تلك المشكلة؛ إذ لا تقع بعد هذا مخالفة بين الأدلّة وتلك الحالة النفسيّة؛ لأنّ الفقهاء الأربعة لم يخالفوا مسلّمات الصحابة مثلاً، فأراحهم هذا العمل عن لزوم تأسيس فقه جديد وحكم غريب من الأدلّة، كما أنّه أراحهم أيضاً عن لزوم تأسيس فقه جديد وحكم غريب من ناحية عدم المبالاة بالدين؛ إذ كان كثير منهم لا يبالون بدينهم ولا يخافون من جعل الحكم من عند أنفسهم ولو كان على خلاف ما هو المسلّم في نظرهم عند الصحابة مثلاً.

وأمّا أصحابنا الإماميّة(رحمهم الله) فهم فارغون عن الناحية الثانية؛ إذ ليس فيهم من يجعل الحكم من عند نفسه.