المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

81

الحكم الأوّل للعقل بقبح العقاب كان عبارة عن عدم بيان التكليف، وقد انتهى ذلك وثبت بيان العدم تعبّداً، وهو موضوع لحكم ثان للعقل بقبح العقاب بنحو أشدّ من القبح الأوّل. أويقال ـ بحسب تعبيراتنا ـ: إنّ الحكم الأوّل كان عبارة عن قبح العقاب عند عدم بيان اهتمام المولى، وبالاستصحاب يثبت بيان عدم اهتمام المولى وجداناً، فينتفي موضوع الحكم الأوّل، ويترتّب على بيان عدم الاهتمام وجداناً حكم ثان للعقل بقبح العقاب بنحو أشدّ من القبح الأوّل. هذا كلّه في استصحاب عدم التكليف. وأمّا فيما نحن فيه فلا مجال لذلك؛ فإنّ استصحاب عدم الحجّيّة إنّما يثبت عدم كون هذا الشيء المشكوك حجّيّته بياناً للتكليف أو عدم إبراز المولى اهتمامه بالتكليف بجعل الحجّيّة لهذا الشيء، ولا يبيّن عدم التكليف أو عدم اهتمام المولى به. وموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ليس هو عدم بيان الحجّيّة، وإنّما هو عدم بيان التكليف لا بنفسه ولا بطريقه، أو عدم بيان اهتمام المولى به، وهذا لا ينتفي باستصحاب عدم الحجّيّة، فقياس ذلك باستصحاب عدم التكليف قياس مع الفارق.

وكذلك لا مجال للنقض الثاني، فإنّ الأصلين المتوافقين لو سلّم حكومة أحدهما على الآخر فموضوع المحكوم ينتفي بوجود الحاكم(1)، فيثبت الحكم الظاهريّ ببركة الحاكم فقط، ولا علاقة لذلك بتحصيل الحاصل. وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإنّ حكم العقل بقبح العقاب ثابت مع جريان الاستصحاب بنفس الملاك


(1) ولو لم تسلّم الحكومة فالأصلان معاً يجريان ويصبح مجموعهما علّة واحدة للتأمين أو التنجيز. وهذا أيضاً لا علاقة له بتحصيل الحاصل. كما أنّ استصحاب عدم الحجّيّة فيما نحن فيه أيضاً لا يلزم منه تحصيل الحاصل على ما سنشرحه في التعليق الآتي إن شاء الله.